669
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

اللاّم في لغة غير مشهورة . قال : « وفاضت بين نحري وصدري نفْسك » . أراد بذلك آخر الأنفاس التي يخرجُها الميّت ولا يستطيع إدخال الهواء إلى الرئة عوضا عنها ، ولابدّ لكل ميّت من نفخةٍ تكون آخر حركاته .
ويقول قوم : إنَّها الروح ، وعبّر عليّ عليه السلام عنها بالنفس ، لمّا كانت العرب لا ترى بين الرّوح والنفس فَرْقا . وقال في رواية أُخرى : « ففاضت نفسُه في يدي ، فأمررتها على وجهي » ۱ .
قوله : « إنّا للّه » إلى آخره ، أي عبيده ، كما تقول : هذا الشيء لزيد ، أي يملكه . ثم عقّب الاعترافَ بالملْكيّة بالإقرار بالرّجْعة والبعث ، وهذه الكلمة تقال عند المصيبة ، كما أدّب اللّه تعالى خَلْقه وعباده . والوديعة والرهينة ، عبارة عن فاطمة . فأمّا الرّهينة فهيالمرتهَنة ، يقال للمذكّر : هذا رهين عنديعلى كذا ، وللأُنثى : هذه رهينة عندي على كذا ، كأنها عليهاالسلامكانتْ عنده عوَضا من رؤية رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، كما تكونُ الرهينة عوَضا عن الأمر الذي أُخذت رهينةً عليه .
ثم ذكر عليه السلام أنّ حزنه دائمٌ ، وأنه يسهر ليله ولا ينام إلى أن يلتحِقَ برسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمويجاوره في الدار الآخرة . قوله عليه السلام : « وستنبئك ابنتك » ، أي ستعلمك . فأحفها السؤآل ، أي اسْتقصِ في مسألتها ، واستخبرها الحال ، أحفيت إحفاءً في السؤال : استقصيت ، وكذلك في الحجاج والمنازعة . ورجل حفيّ ، أي مستقصٍ في السؤال . واستخبِرْها الحال ، أي عن الحال ، فحذف الجار ، كقولك : اخترت الرجال زيدا أي من الرجال ، أي سَلْها عمّا جرى بعدك من الاستبداد بعقد الأمر دون مشاورتنا ، ويدلّ هذا على وجود النص ، ويجوز أن تكون الشكوى والتألّم من اطّراحهما وترك إدخالهم في المشاورة ، فإن ذلك ممّا تكرهه النفوس وتتألّم منه .
قوله : « هذا ولم يَطُل العهد ، ولم يخلُق الذّكر » ، أي لم ينس ۲ .

1.مرّ الكلام عنها في هامش الخطبة ۱۹۰ .

2.وفيها إشارة إلى مخالفة النصّ والعهد ، والوثوب على أهل بيت الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بأنواع المساءة من غصب الخلافة وغصب الإرث ، والهمّ بالقتل ـ مرة ـ وبإحراق البيت ـ أُخرى ـ والهجوم على بيت فاطمة وفيه علي والحسن والحسين : ـ ثالثا ـ والسوق العنيف ، والتهديد والتخويف ، والحال أن العهد لم يطل ، والذكر لم يخلُ حتى يقال : نُسي ما قاله النبي صلى الله عليه و آله وسلم من النص والوصيّة بأهل بيته : بتبجيلهم وتعظيمهم واحترامهم . قال النظام كما في الملل والنحل للشهرستاني ص۹۸ ـ ۹۹ بتحيق البير نصري ، ط . دار الشرق الثالثة ۱۹۹۲ : إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح : أحرقوها بمن فيها ، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
668

السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللّهِ عَنِّي ، وَعَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ ، وَالسَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ ! قَلَّ يَا رَسُولَ اللّهِ ، عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي ، وَرَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي ، إِلاَّ أَنَّ لِي فِي التَّأَسِّيِ بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ ، وَفَادِحِ مُصِيبَتِكَ ، مَوْضِعَ تَعَزٍّ ، فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ ، وَفَاضَتْ بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي نَفْسُكَ فإِنَّا للّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ! فَلَقَدْ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ ، وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ!
أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ ، وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ ، إِلَى أَنْ يَخْتَارَ اللّهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مُقِيمٌ . وَسَتُنَبـِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا ، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ ، وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ ؛ هذَا وَلَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ ، وَلَمْ يَخْلُ مِنْكَ الذِّكْرُ ، وَالْسَّلاَمُ عَلَيْكُمَا سَلاَمَ مُوَدِّعٍ ، لاَ قَالٍ وَلاَ سَئِمٍ ، فَإِنْ أَنْصَرِفْ فَـلاَ عَنْ مَلاَلَةٍ ، وَإِنْ أُقِمْ فَـلاَ عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللّهُ الصَّابِرِين!

الشّرْحُ :

أما قول الرضيّ رحمه الله : « عند دفن سيدة النساء » ، فلأنه قد تواتر الخبر عنه صلى الله عليه و آله وسلم أ نّه قال : « فاطمة سيّدة نساء العالمين » إمَّا هذا اللفظ بعينه ، أو لفظ يؤدّي هذا المعنى ، روي أنه قال وقد رآها تبكي عند موته : « ألا ترضيْن أن تكوني سيّدة نساء هذه الأُمّة ! » . وروي أنه قال : « سادات نساء العالمين أربع : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، وآسية بنت مزاحم ، ومريم بنت عمران» .
قوله عليه السلام : « وسريعة اللّحاق بك » جاء في الحديث ؛ أ نّه رآها تبكي عند موته فأسرّ إليها : « أنتِ أسرع أهلي لحُوقا بي » ، فضحكت . قوله : « عن صفيّتك » أجلّه صلى الله عليه و آله وسلم عن أن يقول : « عن ابنتك » ، فقال : « صفيّتك » ، وهذا من لطيف عبارته ، ومحاسن كنايته ، يقول عليه السلام : ضَعُفَ جَلَدي وصَبْري عن فراقها ؛ لكني أتأسّى بفراقي لك فأقول : كلُّ عظيم بعد فراقك جَلَل ، وكلُّ خطب بعد موتك يسير .
ثم ذكر حاله معه وقتَ انتقاله صلواتُ اللّه عليه إلى جوار ربِّه ، فقال : لقد وسَّدْتُك في ملحودة قبرك ، أي في الجهة المشقوقة من قبرك ، واللّحْد : الشَّقّ في جانب القبر ، وجاء بضمّ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 142038
صفحه از 712
پرینت  ارسال به