« عالما بها قبل ابتدائها » ، إشارة إلى أنّه عالم بالأشياء فيما لم يزَل . وقوله : « محيطا بحدودها وانتهائها » ، أي بأطرافها ونهاياتها . « عارفا بقرائنها وأحنائها » ، القرائن جمع قَرُونة ، وهي النفس . والأحناء : الجوانب ، جمع حِنْو ، يقول : إنه سبحانه عارف بنفوس هذه الغرائز التي ألزمها أشباحَها ، عارف بجهاتها وسائر أحوالها المتعلّقة بها والصادرة عنها .
الأصْلُ :
۰.ثُمَّ أَنْشَأَ ـ سُبْحَانَهُ ـ فَتْقَ الْأَجْواءِ ، وَشَقَّ الْأَرْجَاءِ وَسَكَائِكَ الْهَوَاءِ ، فَأَجْرَى فِيهَا مَاءً مُتَلاطِما تَيَّارُهُ مُتَرَاكِما زَخَّارُهُ . حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ ، واَلزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ ، فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ ، وَسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ ، وَقَرَنَهَا إلَى حَدِّهِ . الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِها فَتِيقٌ ، وَالْمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ . ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحا اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا ، وَأَدَامَ مُرَبَّهَا ، وَأَعْصَفَ مَجْرَاها ، وَأَبْعَدَ مَنْشَاهَا ، فَأَمَرَها بِتَصْفِيقِ الْمَاءِ الزَّخَّارِ ، وَإِثَارَةِ مَوْجِ الْبِحَارِ ، فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ السَّقَاءِ وَعَصَفَتْ بهِ عَصْفَهَا بِالْفَضَاءِ . تَرُدُّ أَوَّلَهُ إلَى آخِرِهِ ، وَسَاجِيَهُ إلَى مَائِرِهِ ، حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ ، وَرَمَى بالزَّبَدِ رُكَامُهُ ، فَرَفَعَهُ في هَواءٍ مُنْفَتِقٍ ، وَجَوٍّ مُنْفَهِقٍ ، فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ، جَعَلَ سُفْلاَهُنَّ مَوْجا مَكْفُوفا ، وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفا مَحْفُوظا ، وَسَمْكا مَرْفُوعا ، بِغَيْرِ عَمَدٍ يَدْعَمُهَا وَلاَ دِسَارٍ يَنْظِمُهَا . ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزِينَةِ الْكَواكِبِ ، وَضِيَاءِ الثَّواقِبِ ، وَأَجْرَى فِيهَا سِرَاجا مُسْتَطِيرا ، وَقَمَرا مُنِيرا في فَلَكٍ دَائِرٍ ، وَسَقْفٍ سَائِرٍ ، وَرَقِيمٍ مَائِرٍ .
الشّرْحُ :
لسائل أن يسأل فيقول : ظاهرُ هذا الكلام أنّه سبحانه خلق الفضاء والسماوات بعد خَلْق كلّ شيء ؛ لأنّه قد قال قبل : « فَطَرَ الخلائق ، ونشر الرياح ، ووتّد الأرض بالجبال » ، ثم عاد فقال : « أنشأ الخلق إنشاء ، وابتدأه ابتداء » ، وهو الآن يقول : « ثمّ أنشأ سبحانه فَتْق الأجواء » ، ولفظة « ثمّ » للتراخي .
فالجواب : إنّ قوله : « ثم » هو تعقيب وتراخ ، لا في مخلوقات البارئ سبحانه ، بل في