الأصْلُ :
۰.ثُمَّ فَتَقَ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ الْعُلاَ ، فَمَلَأَهُنَّ أَطْوارا مِنْ مَلائِكَتِهِ ، مِنْهُمْ سُجُودٌ لاَ يَرْكَعُونَ ، وَرُكُوعٌ لاَ يَنْتَصِبُونَ ، وَصَافُّونَ لاَ يَتَزاَيَلُونَ ، وَمُسَبِّحُونَ لاَ يَسْأَمُونَ ، لاَ يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ ، وَلاَ سَهْوُ الْعُقُولِ ، وَلاَ فَتْرَةُ الأَبْدَانِ ، وَلاَ غَفْلَةُ النِّسْيَانِ . وَمِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِهِ ، وأَلْسِنَةٌ إلَى رُسُلِهِ ، وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَأَمْرِهِ ، وَمِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ وَالسَّدَنَةُ لِأَبْوابِ جِنَانِهِ . وَمِنْهُمُ الثَّابِتَةُ في الْأَرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ ، وَالْمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ ، وَالْخَارِجَةُ مِنَ الْأَقْطارِ أَرْكانُهُمْ ، وَالْمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ . نَاكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصَارُهُمْ ، مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ ، وَأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ . لاَ يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بالتَّصْوِيرِ ، وَلاَ يُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفَاتِ الْمَصْنُوعِينَ ، وَلاَ يَحُدُّونَهُ بِالأَمَاكِنِ ، وَلاَ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالنَّظَائِرِ .
الشّرْحُ :
الملَك عند المعتزلة حيوان نوريّ ؛ فمنه شفّاف عادم اللون كالهواء ، ومنه ملوّن بلون الشمس . والملائكة عندهم قادرون عالمون أحياء ، بعلوم وقُدَر وحياة ؛ كالواحد منَّا ، ومكلّفون كالواحد منّا ، إلاّ أنهم معصومون . ولهم في كيفية تكليفهم كلام ؛ لأنَّ التكليف مبنيّ على الشهوة ، وفي كيفيّة خَلْق الشهوة فيهم نظر .
وقد جعلهم عليه السلام في هذا الفصل أربعة أقسام :
القسم الأول : أرباب العبادة ؛ فمنهم مَنْ هو ساجد أبداً لم يقم من سجوده ليركع ، ومنهم من هو راكع أبدا لم ينتصِب قَطّ ، ومنهم الصافّون في الصلاة بين يديْ خالقهم لا يتزايلون ، ومنهم المسبّحون الذين لا يملّون التسبيح والتحميد له سبحانه .
والقسم الثاني : السُّفراء بينه تعالى وبين المكلّفين من البشر بتحمّل الوحي الإلهيّ إلى الرسل ، والمختلفون بقضائه وأمره إلى أهل الأرض .
والقسم الثالث : ضربان : أحدهما حَفَظة العباد كالكرام الكاتبين ، وكالملائكة الذين