69
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الأصْلُ :

۰.ثُمَّ فَتَقَ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ الْعُلاَ ، فَمَلَأَهُنَّ أَطْوارا مِنْ مَلائِكَتِهِ ، مِنْهُمْ سُجُودٌ لاَ يَرْكَعُونَ ، وَرُكُوعٌ لاَ يَنْتَصِبُونَ ، وَصَافُّونَ لاَ يَتَزاَيَلُونَ ، وَمُسَبِّحُونَ لاَ يَسْأَمُونَ ، لاَ يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ ، وَلاَ سَهْوُ الْعُقُولِ ، وَلاَ فَتْرَةُ الأَبْدَانِ ، وَلاَ غَفْلَةُ النِّسْيَانِ . وَمِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِهِ ، وأَلْسِنَةٌ إلَى رُسُلِهِ ، وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَأَمْرِهِ ، وَمِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ وَالسَّدَنَةُ لِأَبْوابِ جِنَانِهِ . وَمِنْهُمُ الثَّابِتَةُ في الْأَرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ ، وَالْمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ ، وَالْخَارِجَةُ مِنَ الْأَقْطارِ أَرْكانُهُمْ ، وَالْمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ . نَاكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصَارُهُمْ ، مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ ، وَأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ . لاَ يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بالتَّصْوِيرِ ، وَلاَ يُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفَاتِ الْمَصْنُوعِينَ ، وَلاَ يَحُدُّونَهُ بِالأَمَاكِنِ ، وَلاَ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالنَّظَائِرِ .

الشّرْحُ :

الملَك عند المعتزلة حيوان نوريّ ؛ فمنه شفّاف عادم اللون كالهواء ، ومنه ملوّن بلون الشمس . والملائكة عندهم قادرون عالمون أحياء ، بعلوم وقُدَر وحياة ؛ كالواحد منَّا ، ومكلّفون كالواحد منّا ، إلاّ أنهم معصومون . ولهم في كيفية تكليفهم كلام ؛ لأنَّ التكليف مبنيّ على الشهوة ، وفي كيفيّة خَلْق الشهوة فيهم نظر .
وقد جعلهم عليه السلام في هذا الفصل أربعة أقسام :
القسم الأول : أرباب العبادة ؛ فمنهم مَنْ هو ساجد أبداً لم يقم من سجوده ليركع ، ومنهم من هو راكع أبدا لم ينتصِب قَطّ ، ومنهم الصافّون في الصلاة بين يديْ خالقهم لا يتزايلون ، ومنهم المسبّحون الذين لا يملّون التسبيح والتحميد له سبحانه .
والقسم الثاني : السُّفراء بينه تعالى وبين المكلّفين من البشر بتحمّل الوحي الإلهيّ إلى الرسل ، والمختلفون بقضائه وأمره إلى أهل الأرض .
والقسم الثالث : ضربان : أحدهما حَفَظة العباد كالكرام الكاتبين ، وكالملائكة الذين


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
68

كلامه عليه السلام ، كأنه يقول : ثم أقول الآن بعد قولي المتقدم : إنه تعالى أنشأ فتْق الأجواء . ويمكن أن يقال : إن لفظة « ثم » هاهنا تُعْطِي معنى الجمع المطلق كالواو ، ومثل ذلك قوله تعالى : « وَإنّي لَغَفَّارٌ لِّمَنْ تَابَ وآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحا ثمَّ اهْتَدَى »۱ .
ثم نشرع في تفسير ألفاظه :
أمّا الأجواء فجمع جَوّ ، والجوّ هنا الفضاء العالي بين السماء والأرض . والأرجاء : الجوانب ، واحدها رَجا مثل عصا . والسكائك : جمع سُكاكة ؛ وهي أعلى الفضاء ، كما قالوا : ذُؤابة وذوائب . والتيّار : الموج . والمتراكم : الذي بعضُه فوق بعض . والزّخّار : الذي يَزْخَر ، أي يمتدّ ويرتفع . والريح الزعْزع : الشديد الهبوب ، وكذلك القاصفة ؛ كأنها تُهلِك الناس بشدة هبوبها . ومعنى قوله : « فأمرها بردّه » ، أي بمنعه عن الهبوط ؛ لأنّ الماء ثقيل ، ومن شأن الثقيل الهُوىّ . ومعنى قوله : « وسلّطها على شدّه » أي على وثاقه ؛ كأنه سبحانه لما سلَّط الريح على منعه من الهبوط ؛ فكأنه قد شدّه بها وأوثقه ومنعه من الحركة . ومعنى قوله : « وقرنها إلى حَدّه » ، أي جعلها مكانا له ؛ أي جعل حدّ الماء المذكور ـ وهو سطحه الأسفل ـ مما ساطح الريح التي تحملها وتُقِلّه . والفتيق : المفتوق المنبسط . والدفيق : المدفوق . واعتقَم مَهَبَّها ، أي جعل هُبوبَها عقيما ، والريح العقيم : التي لا تُلْقِحُ سحابا ولا شجرا ، وكذلك كانت تلك الريح المشار إليها ؛ لأنّه سبحانه إنما خلقها لتمويج الماء فقط . وأدام مُرَبّها ، أي ملازمتها ، أربّ بالمكان مثل أَلبَّ به ، أي لازمه .
ومعنى قوله : « وعصفت به عَصْفَها بالفضاء » ، فيه معنى لطيف ، يقول : إنّ الريح إذا عصفت بالفضاء الذي لا أجسام فيه كان عصفُها شديدا لعدم المانع ، وهذه الريح عصفت بذلك الماء العظيم عصفا شديدا ؛ كأنها تعصِفُ في فضاء لا ممانع لها فيه من الأجسام . والساجي : الساكن . والمائر : الذي يذهب ويجيء . وعبّ عُبَابه ، أي ارتفع أعلاه . ورُكامه : ثَبجه وهضْبته . والجوّ المنفهق : المفتوح الواسع . والموج المكفوف : الممنوع من السيلان . وعمَدٍ يَدْعمُها : يكون لها دِعامة . والدِّسار : واحد الدُّسُر وهي المسامير . والثواقب النَّيّرة : المشرِقة . وسراجا مستطيرا ، أي منتشر الضوء ، يقال : قد استطار الفجر ، أي انتشر ضوؤه ، ورقيم مائر ، أي لوح متحرّك . سُمّي الفلك رقيما تشبيها باللوح ؛ لأنّه مسطّح .

1.سورة طه ۸۲ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183586
صفحه از 712
پرینت  ارسال به