695
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

ولدَه إلاّ كنتُ في خيرهما » . ونحو قوله : « إنّ اللّه اصطَفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، واصطفى من ولد إسماعيل مُضَر ، واصطفى من مُضَر كنانة ، واصطفى من كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش هاشماً ، واصطفاني من بني هاشم » .
قوله : « لم يُسهِمْ فيه عاهر ، ولا ضرب فيه فاجر » ، لم يسهم : لم يضرب فيه عاهر بسهم ، أي بنصيب ، وجمعه سُهمان ، والعاهر : ذو العَهَر ، بالتحريك وهو الفجور والزنا ، ويجوز تسكين الهاء ، مثل نَهْر ونَهَر ، وهذا هو المصدر ، والماضي عَهَر بالفتح ، والاسم العِهْر ، بكسر العين وسكون الهاء ، والمرأة عاهرة ومعاهرة وعَيْهرة ، وتعيْهَرَ الرّجل إذا زنى ، والفاجر كالعاهر هاهنا ، وأصلُ الفجور : الميْلُ .
قوله عليه السلام : « ألا وإنّ اللّه قد جَعل للخير أهلاً ، وللحق دعائم ، وللطاعة عِصَما » . الدعائم : ما يدعَم بها البيت لئلا يسقُط ، والعِصَم : جمع عصْمَة ، وهو ما يُحفظ به الشيء ويمنع ، فأهل الخير هم المتّقون . ودعائم الحق : الأدِلّة الموصّلة إليه المثبتة له في القلوب . وعِصَم الطَّاعة : هي الإدمان على فعلها ، والتمرّن على الإتيان بها ؛ لأنّ المُرون على الفعل يكسب الفاعل ملَكة تقتضي سهولته عليه . والعون هاهنا : هو اللطف المقرّب من الطاعة ، المبعِد من القبيح .
ثم قال عليه السلام : « إنّه يقولُ على الألسنة ، ويثبّت الأفئدة » ، وهذا من باب التوسّع والمجاز ؛ لأ نّه لما كان مسهّلاً للقول أطلق عليه أ نّه يقول على الألسنة ، ولمّا كان اللّه تعالى هو الّذِي يثبّت الأفئدة ، كما قال : « يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ »۱ ، نسب التّثبيت إلى اللّطف ؛ لأ نّه من فعل اللّه تعالى ، كما ينسَب الإنبات إلى المطر ، وإنما المنبِت للزّرع هو اللّه تعالى ، والمطر فعله . ثم قال عليه السلام : « فيه كِفاءٌ لمكتفٍ ، وشفاء لمشتفٍ » ، والوجه فيه « كفاية » ، فإنّ الهمز لا وجه له هاهنا ؛ لأ نّه من باب آخر ؛ ولكنه أتى بالهمزة للازدواج بين « كِفاء » ، و « شفاء » ، كما قالوا : الغدايا والعشايا ، وكما قال عليه السلام : « مأزورات غير مأجورات » ، فأتى بالهمز والوجه الواو للازدواج .
ثم ذكر العارفين ، فقال : « واعلموا أنّ عباد اللّه المستحفظين علمه » ، إلى قوله : « وهذّبه التمحيص » .
واعلم أنّ الكلام في العرفان لم يأخذه أهلُ المِلّة الإسلامية إلاّ عن هذا الرّجل ، ولَعمري لقد بلغ منه إلى أقصى الغايات ، وأبعد النّهايات . والعارفون هم القوم الّذين اصطفاهم اللّه

1.سورة إبراهيم ۲۷ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
694

لاَ تَشُوبُهُمُ الرِّيْبَةُ ، وَلاَ تُسْرِعُ فِيهِمْ الْغِيبَةُ . عَلَى ذلِكَ عَقَدَ خَلْقَهُمْ وَأَخْـلاَقَهُمْ ، فَعَلَيْهِ يَتَحَابُّونَ ، وَبِهِ يَتَوَاصَلُونَ ، فَكَانُوا كَتَفَاضُلِ الْبَذْرِ يُنْتَقَى ، فَيُوْخَذُ مِنْهُ وَيُلْقَى ، قَدْ مَيَّزَهُ التَّخْلِيصُ ، وَهذَّبَهُ الَّتمْحِيصُ .
فَلْيَقْبَلِ امْرُؤٌ كَرَامَةً بِقَبُولِهَا ، وَلْيَحْذَرْ قَارِعَةً قَبْلَ حُلُولِهَا ، وَلْيَنْظُرِ امْرُؤٌ فِي قَصِيرِ أَيَّامِهِ ، وَقَلِيلِ مُقَامِهِ ، فِي مَنْزِلٍ حَتَّى يَسْتَبْدِلَ بِهِ مَنْزِلاً ، فَلْيَصْنَعْ لِمُتَحَوَّلِهِ ، وَمَعَارِفِ مُنْتَقَلِهِ .
فَطُوبَى لِذِي قَلْبٍ سَلِيمٍ ، أَطَاعَ مَنْ يَهْدِيهِ ، وَتَجَنَّبَ مَنْ يُرْدِيهِ ، وَأَصَابَ سَبِيلَ السَّلاَمَةِ بِبَصَرِ مَنْ بَصَّرَهُ ، وَطَاعَةِ هَادٍ أَمَرَهُ ، وَبَادَرَ الْهُدى قَبْلَ أَنْ تُغْلَقَ أَبْوَابُهُ ، وَتُقْطَعَ أَسْبَابُهُ ، وَاسْتَفْتَحَ التَّوْبَةَ ، وَأَمَاطَ الْحَوْبَةَ ، فَقَدْ أُقِيمَ عَلَى الطَّرِيقِ ، وَهُدِيَ نَهْجَ السَّبِيلِ .

الشّرْحُ :

الضمير في « أ نّه » يرجع إلى القَضاء والقَدر المذكور في صدْر هذه الخطبة ، ولم يذكره الرضيّ ؛ ، يقول : أشهد أنّ قضاءه تعالى عَدْل عَدلَ وحَكَم بالحقّ ، فإنّه حكم فصل بين العباد بالإنصاف ، ونسب العدل والفصل إلى القضاء على طريق المجاز ، وهو بالحقيقة منسوب إلى ذي القضاء ، والقاضي به هو اللّه تعالى .
قوله : « وسيّد عباده » ، هذا كالمجمَع عليه بين المسلمين ، وإن كان قد خالف فيه شذوذ منهم ، واحتجّ الجمهور بقوله : « أنا سيّد ولد آدم ولا فخر » ، وبقوله : « ادعوا لِي سيّدَ العرب عليّاً » ، فقالت عائشة : ألستَ سيّد العرب ! فقال : « أنا سيّد البشر ، وعليّ سيّد العرب » ، وبقوله : « آدم ومَنْ دونه تحت لوائي » .
قوله عليه السلام : « كلّما نسخَ اللّه الخلْق فرقتيْن جعله في خيرهما » ، النَّسْخ : النقل ، ومنه نسخ الكتاب ، ومنه نَسَخَت الرّيحُ آثار القوم ، ونسخت الشمس الظلّ ، يقول : كلّما قسم اللّه تعالى الأب الواحد إلى ابنين ، جعل خيرهما وأفضلهما لولادة محمّد عليه السلام ، وسمّى ذلك نسخاً ؛ لأنّ البطن الأول يزول ، ويخلُفه البطن الثاني ، ومنه مسائل المناسخات في الفرائض . وهذا المعنى قد وردَ مرفوعا في عدّة أحاديث ، نحو قولِه صلى الله عليه و آله وسلم : « ما افترقت فرقتان منذُ نَسل آدم

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183505
صفحه از 712
پرینت  ارسال به