لاَ تَشُوبُهُمُ الرِّيْبَةُ ، وَلاَ تُسْرِعُ فِيهِمْ الْغِيبَةُ . عَلَى ذلِكَ عَقَدَ خَلْقَهُمْ وَأَخْـلاَقَهُمْ ، فَعَلَيْهِ يَتَحَابُّونَ ، وَبِهِ يَتَوَاصَلُونَ ، فَكَانُوا كَتَفَاضُلِ الْبَذْرِ يُنْتَقَى ، فَيُوْخَذُ مِنْهُ وَيُلْقَى ، قَدْ مَيَّزَهُ التَّخْلِيصُ ، وَهذَّبَهُ الَّتمْحِيصُ .
فَلْيَقْبَلِ امْرُؤٌ كَرَامَةً بِقَبُولِهَا ، وَلْيَحْذَرْ قَارِعَةً قَبْلَ حُلُولِهَا ، وَلْيَنْظُرِ امْرُؤٌ فِي قَصِيرِ أَيَّامِهِ ، وَقَلِيلِ مُقَامِهِ ، فِي مَنْزِلٍ حَتَّى يَسْتَبْدِلَ بِهِ مَنْزِلاً ، فَلْيَصْنَعْ لِمُتَحَوَّلِهِ ، وَمَعَارِفِ مُنْتَقَلِهِ .
فَطُوبَى لِذِي قَلْبٍ سَلِيمٍ ، أَطَاعَ مَنْ يَهْدِيهِ ، وَتَجَنَّبَ مَنْ يُرْدِيهِ ، وَأَصَابَ سَبِيلَ السَّلاَمَةِ بِبَصَرِ مَنْ بَصَّرَهُ ، وَطَاعَةِ هَادٍ أَمَرَهُ ، وَبَادَرَ الْهُدى قَبْلَ أَنْ تُغْلَقَ أَبْوَابُهُ ، وَتُقْطَعَ أَسْبَابُهُ ، وَاسْتَفْتَحَ التَّوْبَةَ ، وَأَمَاطَ الْحَوْبَةَ ، فَقَدْ أُقِيمَ عَلَى الطَّرِيقِ ، وَهُدِيَ نَهْجَ السَّبِيلِ .
الشّرْحُ :
الضمير في « أ نّه » يرجع إلى القَضاء والقَدر المذكور في صدْر هذه الخطبة ، ولم يذكره الرضيّ ؛ ، يقول : أشهد أنّ قضاءه تعالى عَدْل عَدلَ وحَكَم بالحقّ ، فإنّه حكم فصل بين العباد بالإنصاف ، ونسب العدل والفصل إلى القضاء على طريق المجاز ، وهو بالحقيقة منسوب إلى ذي القضاء ، والقاضي به هو اللّه تعالى .
قوله : « وسيّد عباده » ، هذا كالمجمَع عليه بين المسلمين ، وإن كان قد خالف فيه شذوذ منهم ، واحتجّ الجمهور بقوله : « أنا سيّد ولد آدم ولا فخر » ، وبقوله : « ادعوا لِي سيّدَ العرب عليّاً » ، فقالت عائشة : ألستَ سيّد العرب ! فقال : « أنا سيّد البشر ، وعليّ سيّد العرب » ، وبقوله : « آدم ومَنْ دونه تحت لوائي » .
قوله عليه السلام : « كلّما نسخَ اللّه الخلْق فرقتيْن جعله في خيرهما » ، النَّسْخ : النقل ، ومنه نسخ الكتاب ، ومنه نَسَخَت الرّيحُ آثار القوم ، ونسخت الشمس الظلّ ، يقول : كلّما قسم اللّه تعالى الأب الواحد إلى ابنين ، جعل خيرهما وأفضلهما لولادة محمّد عليه السلام ، وسمّى ذلك نسخاً ؛ لأنّ البطن الأول يزول ، ويخلُفه البطن الثاني ، ومنه مسائل المناسخات في الفرائض . وهذا المعنى قد وردَ مرفوعا في عدّة أحاديث ، نحو قولِه صلى الله عليه و آله وسلم : « ما افترقت فرقتان منذُ نَسل آدم