697
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

قوله : « ويتساقَوْن بكأس روِيّة » أي بكأس المعرفة ، والأُنس باللّه ، يأخذ بعضُهم عن بعض العلومَ والأسرار ، كأنهم شَرْبٌ يتساقوْن بكأس من الخمر . « ويصدُرون بريّة » يقال : من أين رَيّتكم ؟ مفتوحة الراء ، أي من أين ترتوون الماء ؟ « لا تشوبهم الرِّيبة » ، أي لا تخالطهم الظِنّة والتُّهمة ، ولا تسرع فيهم الغيبة ؛ لأنّ أسرارهم مشغولةٌ بالحقّ عن الخلق . « على ذلك عقد خَلْقهم وأخلاقهم » ، الضمير في « عقَد » يرجع إلى اللّه تعالى ، أي على هذه الصفات والطبائع عَقَد الخالق تعالى ، خِلْقتهم وخُلُقهم ، أي هم متهيئون لما صاروا إليه ، كما قال عليه السلام : « إذا أرادك لأمر هيّأك له » . وقال عليه السلام : « كلٌّ ميسّرٌ لما خلِق له » . قوله عليه السلام : « فعليه يتحابّون ، وبه يتواصلون » ، أي ليس حبُّهم بعضهم بعضا إلاّ في اللّه ، وليست مواصلتهم بعضهم بعضا إلاّ للّه ، لا للهوى ، ولا لغرضٍ من أغراض الدنيا .
قوله عليه السلام : « فكانوا كتفاضل البَذْر » ، أي مَثَلُهم مثل الحَبّ الذي يُنتقى للبَذْر ، يستصلح بعضه ، ويسقط بعضه . قد ميّزه التخليص : قد فرّق الانتقاء بين جيّده ورديئه . وهذَّبه التمحيص ، قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « إن المَرض ليمحّص الخطايا كما تمحّص النار الذهب » ، أي كما تخلّص النار الذهب ممّا يشوبه . ثم أمر عليه السلام المكلّفين بقبول كرامة اللّه ونصحه ، ووعظه وتذكيره ، وبالحذر مِنْ نزول القارعة بهم ، وهي هاهنا الموت ، وسمّيت الداهية قارعة ؛ لأنها تقرع ، أي تصيب بشدّة .
قوله عليه السلام : « فليصنع لمتحوّله » ، أي فليعدّ ما يجب إعداده للموضع الذي يتحوّل إليه ، تقول : اصنع لنفسك ، أي اعمل لها . « ومعارف منتقَلِه » معارف الدّار : ما يعرفها المتوسّم بها ، واحدها معرَف ، مثل معاهد الدار ، ومعالم الدار ، ومنه معارف المرأة ، وهو ما يظهر منها ، كالوجْه واليدين . والمنتقَل ، بالفتح : موضع الانتقال .
قوله: « فطوبَى » هي « فُعْلَى » من الطّيب ، قلبوا الياء واواً للضمّة قبلها ، ويقال : طوبَى لك! وطوباك! بالإضافة . وقول العامة : « طوبيك » بالياء غير جائز . قوله عليه السلام : « لذي قلْب سلِيم » ، هو من ألفاظ الكتاب العزيز ۱ ، أي سليم من الغلّ والشك . « أطاع مَنْ يهديه » ، أي قبل مشورة الناصح الآمر له بالمعروف ، والناهي له عن المنكَر . وتجنّب مَنْ يُرْدِيه ، أي يهْلكه بإغوائه وتحسين القبيح له . والباء في قوله : « ببصرِ مَنْ بَصّره » ، متعلّقة بـ « أصاب » . قوله :

1.وذلك قوله تعالى في سورة الشعراء ۸۹ : « إلاَّ مَنْ أتَى اللّه َ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » ، وقوله في سورة الصافات ۸۴ : « إذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
696

تعالى ، وانتخبهم لنفسه ، واختصَّهم بأنسه ، أحبّوه فأحبّهم ، وقربوا منه فقرُب منهم . وقد تكلّم أرباب هذا الشأن في المعرفة والعرفان ، فكلٌّ نطق بما وقع له ، وأشار إلى ما وجده في وقته .
واعلم أنّ إطلاق أمير المؤمنين عليه السلام عليهم لفظة « الولاية » ، في قوله : « يتواصَلُون بالولاية ، ويتلاقون بالمحبّة » يستدعي الخوْض في مقاميْن جليلين من مَقامات العارفين :
المقام الأوّل ـ الولاية : وهو مقام جليل ، قال اللّه تعالى : « أَلاَ إنَّ أَوْلِيَاءَ اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ »۱ . واعلم أنّ الوليّ له معنيان :
أحدهما : « فعيل » بمعنى « مفعول » ، كقتيل وجريح ، وهو من يتولّى اللّه أمره ، كما قال اللّه تعالى : « إنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الكِتَابَ وَهُوَ يَتَولَّى الصَّالِحينَ »۲ ، فلا يكِله إلى نفسه لحظة عين ، بل يتولّى رعايته .
وثانيهما : « فعيل » بمعنى « فاعل » كنذير وعليم ، وهو الَّذِي يتولّى طاعةَ اللّه وعبادته فلا يعصيه .
المقام الثاني ـ المحبّة : قال اللّه سبحانه : « مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ »۳ ، والمحبّة عند أرباب هذا الشأْن حالة شريفة .
ثم نعود إلى تفسير ألفاظ الفصل :
قوله عليه السلام : « يصونون مَصُونه » ، أي يكتمون من العلم الذي استحفظوه ما يجب أن يكتم . ويفجّرون عيونه : يظهرون منه ما ينبغي إظهاره ؛ وذلك أ نّه ليس ينبغي إظهار كلّ ما استودِع العارف من الأسرار .
والوَلاية ، بفتح الواو : المحبّة والنُّصرة . ومعنى « يتواصَلُون بالوَلاية » يتواصلون وهم أولياء ، ومثله : « ويتلاقوْن بالمحبّة » كما تقول :خرجت بسلاحي ، أي خرجت وأنا متسلّح ، فيكون موضع الجار والمجرور نصبا بالحال ، أو يكون المعنى أدقّ وألطف من هذا ، وهو أن يتواصلوا بالوَلاية ، أي بالقلوب لا بالأجسام ، كما تقول : أنا أرَاك بقلبي ، وأزورك بخاطري ، وأواصلك بضميري .

1.سورة يونس ۶۲ .

2.سورة الأعراف ۱۹۶ .

3.سورة المائدة ۵۴ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183209
صفحه از 712
پرینت  ارسال به