اعْتَرَتْهُم الْحَمِيَّةُ ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِم الشِّقْوَةُ ، وَتَعَزَّزوا بِخَلْقِهِ النَّارِ ، وَاسْتَوْهَنُوا خَلْقَ الصَّلْصَالِ ، فَأَعْطَاهُ اللّهُ النَّظِرَةَ اسْتِحْقَاقا لِلسُّخْطَةِ ، وَاسْتِتْمَاما لِلْبَلِيَّةِ ، وَإنْجازا لِلْعِدَةِ ، فَقَالَ : « فإنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ * إلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ »۱ .
الشّرْحُ :
الحزْن : ما غُلظ من الأرض . وسَبَخُها : ما ملُح منها . وسنّها بالماء ، أي مَلَّسها ، ولاَطها ، من قولهم : لُطْتُ الحوضَ بالطين ، أي ملطته وطينته به . والبَلّة ، بفتح الباء : من البَلل . ولَزَبت ، بفتح الزاي ، أي التصقت وثبتت . فجبَل منها ، أي خلق . والأحناء : الجوانب ، جمع حِنْو . وأصلَدها : جعلها صَلْداً ، أي صُلْباً متيناً . وصلصلت : يبست ، وهو الصلصال . ويختدمها : يجعلها في مآربه وأوطاره كالخدَم الذين تستعملهم وتستخدمهم . واستأدى الملائكة وديعته : طلب منهم أداءها . والخنوع : الخضوع . والشِّقوة ، بكسر الشين ، وفي الكتاب العزيز : « رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا »۲ . واستوهَنوا : عدّوه واهناً ضعيفاً . والنَّظِرة ، بفتح النون وكسر الظاء : الإمهال والتأخير .
فأمّا معاني الفصل فظاهرة ، وفيه مع ذلك مباحث :
منها أن يقال : اللام في قوله : « لوقت معدود » ، بماذا تتعلق؟
والجواب : إنّها تتعلق بمحذوف تقديره : « حتى صلصلت كائنة لوقت » ، فيكون الجار والمجرور في موضع الحال ، ويكون معنى الكلام أنّه أصْلَدها حتى يبست وجفّت معدّة لوقت معلوم ، فنفخ حينئذٍ روحَه فيها . ويمكن أن تكون اللام متعلقة بقوله : « فجبل » أي جَبَل وخَلَق من الأرض هذه الجثة لوقت ، أي لأجل وقت معلوم ، وهو يوم القيامة .
ومنها أن يقال : لماذا قال : « مِنْ حَزْن الأرض وسَهْلها ، وعَذْبها وسَبَخها »؟
والجواب : إنّ المراد من ذلك أن يكون الإنسانَ مركّبا من طباع مختلفة ، وفيه استعداد للخير والشرّ ، والحسَن والقبح .
ومنها أن يقال : لماذا أخَّر نفخَ الروح في جثة آدم مدة طويلة ، فقد قيل : إنه بقيَ طيناً