71
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

اعْتَرَتْهُم الْحَمِيَّةُ ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِم الشِّقْوَةُ ، وَتَعَزَّزوا بِخَلْقِهِ النَّارِ ، وَاسْتَوْهَنُوا خَلْقَ الصَّلْصَالِ ، فَأَعْطَاهُ اللّهُ النَّظِرَةَ اسْتِحْقَاقا لِلسُّخْطَةِ ، وَاسْتِتْمَاما لِلْبَلِيَّةِ ، وَإنْجازا لِلْعِدَةِ ، فَقَالَ : « فإنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ * إلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ »۱ .

الشّرْحُ :

الحزْن : ما غُلظ من الأرض . وسَبَخُها : ما ملُح منها . وسنّها بالماء ، أي مَلَّسها ، ولاَطها ، من قولهم : لُطْتُ الحوضَ بالطين ، أي ملطته وطينته به . والبَلّة ، بفتح الباء : من البَلل . ولَزَبت ، بفتح الزاي ، أي التصقت وثبتت . فجبَل منها ، أي خلق . والأحناء : الجوانب ، جمع حِنْو . وأصلَدها : جعلها صَلْداً ، أي صُلْباً متيناً . وصلصلت : يبست ، وهو الصلصال . ويختدمها : يجعلها في مآربه وأوطاره كالخدَم الذين تستعملهم وتستخدمهم . واستأدى الملائكة وديعته : طلب منهم أداءها . والخنوع : الخضوع . والشِّقوة ، بكسر الشين ، وفي الكتاب العزيز : « رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا »۲ . واستوهَنوا : عدّوه واهناً ضعيفاً . والنَّظِرة ، بفتح النون وكسر الظاء : الإمهال والتأخير .
فأمّا معاني الفصل فظاهرة ، وفيه مع ذلك مباحث :
منها أن يقال : اللام في قوله : « لوقت معدود » ، بماذا تتعلق؟
والجواب : إنّها تتعلق بمحذوف تقديره : « حتى صلصلت كائنة لوقت » ، فيكون الجار والمجرور في موضع الحال ، ويكون معنى الكلام أنّه أصْلَدها حتى يبست وجفّت معدّة لوقت معلوم ، فنفخ حينئذٍ روحَه فيها . ويمكن أن تكون اللام متعلقة بقوله : « فجبل » أي جَبَل وخَلَق من الأرض هذه الجثة لوقت ، أي لأجل وقت معلوم ، وهو يوم القيامة .
ومنها أن يقال : لماذا قال : « مِنْ حَزْن الأرض وسَهْلها ، وعَذْبها وسَبَخها »؟
والجواب : إنّ المراد من ذلك أن يكون الإنسانَ مركّبا من طباع مختلفة ، وفيه استعداد للخير والشرّ ، والحسَن والقبح .
ومنها أن يقال : لماذا أخَّر نفخَ الروح في جثة آدم مدة طويلة ، فقد قيل : إنه بقيَ طيناً

1.الحجر ۳۷ .

2.سورة المؤمنين ۱۰۶ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
70

يحفظون البشر من المهالك والورطات ؛ ولولا ذلك لكان العَطَب أكثرَ من السلامة ، وثانيهما سَدَنة الجِنان .
القسم الرابع : حَمَلة العرش .
ويجب أن يكون الضمير في « دونه » ـ وهو الهاء ـ راجعا إلى العرش لا إلى البارئ سبحانه . كذلك الهاء في قوله : « تحته » . ويجب أن تكون الإشارة بقوله : « وبين مَنْ دونهم » إلى الملائكة الذين دون هؤلاء في الرتبة .
فأمّا ألفاظ الفصل فكلّها غنيّة عن التفسير إلاّ يسيرا ، كالسَّدنة جمع سادِن وهو الخادم ، والمارق : الخارج . وتلفّعت بالثوب ، أي التحفت به .

الأصْلُ :

۰.منها في صفة آدم عليه السلامثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الْأَرْضِ وَسَهْلِهَا ، وَعَذْبِهَا وَسَبَخِهَا ، تُرْبَةً سَنَّهَا بالْمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ ، وَلاَطَهَا بِالْبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ ، فَجَبَلَ مِنْهَا صُورَةً ذاتَ أَحْنَاءٍ وَوُصُولٍ ، وَأَعْضَاءٍ وَفُصُولٍ : أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ ، وَأَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ ، لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ ، وَأجَلٍ مَعْلُومٍ ؛ ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِن رُوحِهِ فتمثّلت إنْسانا ذَا أَذْهَانٍ يُجيلُهَا ، وَفِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا ، وَجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا ، وَأَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا ، وَمَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، وَالْأَذْوَاقِ وَالْمَشامِّ ، والْألْوان وَالْأَجْنَاس مَعْجُونا بطِينَتِهِ الْألْوانُ المُخْتَلِفَةُ ، وَالأَشْبَاهُ المُؤْتَلِفَةُ ، وَالْأَضْدَادُ الْمُتَعَادِيَةُ ، وَالْأَخْلاطُ الْمُتَبَايِنَةُ ، مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ ، وَالْبَلَّةِ وَالْجُمُودِ ، وَالمَساءَةِ وَالسُّرُورِ .
وَاسْتَأْدَى اللّهُ سُبْحَانَهُ الْمَلائِكَةَ وَدِيعَتَهُ لَدَيْهِمْ ، وَعَهْدَ وَصِيَّتِهِ إلَيْهِمْ ، في الاْءِذْعَان بالسُّجُودِ لَهُ ، وَالخُنُوعِ لِتَكْرِمَتِهِ ، فَقَالَ لَهُم : « اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلاَّ إبْلِيسَ »۱ وَقَبِيلَهُ ؛

1.البقرة ۳۴ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183497
صفحه از 712
پرینت  ارسال به