89
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

ضَرْعَيْهَا ! ـ فَصَيَّرَهَا في حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ يَغْلُظُ كَلْمُهَا ، وَيَخْشُنُ مَسُّهَا ، وَيَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا ، وَالاِْعْتِذَارُ مِنْهَا ، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ إنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ ، وَإنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ ، فَمُنِيَ النَّاسُ ـ لَعَمْرُ اللّهِ ـ بِخَبْطٍ وَشِمَاسٍ ، وَتَلَوُّنٍ وَاعْتِرَاضٍ ؛ فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ ، وَشِدَّةِ الْمِحْنَةِ ۱ .

الشّرْحُ :

مضى لسبيله : مات ، والسّبيل الطريق ، وتقديره : مضى على سبيله ، وتجيء اللاّم بمعنى « على » ، كقوله :
فَخَرَّ صَرِيعا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ
وقوله : « فأدْلَى بها » من قوله تعالى : « وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّامِ »۲ ، أي تدفعوها إليهم رِشْوَة ، وأصله من : أدليتَ الدّلو في البئر ، أرسلتَها .
فإن قلت : فإنّ أبا بكر إنما دفَعها إلى عمر حين مات ، ولا معنى للرِّشوة عند الموت!
قلت : لما كان عليه السلام يَرَى أنّ العدول بها عنه إلى غيره إخراج لها إلى غير جهة الاستحقاق ، شبّه ذلك بإدلاء الإنسان بمالِه إلى الحاكم ، فإنه إخراج للمال إلى غير وجهه . وأمّا البيت الذي تمثل به عليه السلام ، فإنه للأعشى الكبير ، أعشى قيس . وهو أبو بصير ميمون بن قيس بن جَنْدل .
وشَتّان أصله شتت .
يقول : شتان يومى وأنا في الهاجرة والرمضاء ، أسيرُ على كور هذه الناقة ، ويوم حَيَّان وهو في سَكْرة الشراب ، ناعم البال ، مرفّه من الأكدار والمشاقّ . يقول أمير المؤمنين عليه السلام : شتان بين يومي في الخلافة مع ما انتقض علَيّ من الأمر ، ومُنِيت به من انتشار الحبل ، واضطراب أركان الخلافة ، وبين يوم عمر حيثُ وليها على قاعدة ممهّددة ، وأركان ثابتة ،

1.كالادلاء : الإرثاء ، كورها : كور الناقة رحلها . شتان : بَعُد وافترق . يستقيلها : يطلب الإقالة منها ، أي التخلّي عنها . حوزة : طبيعة . الضرع : للناقة كالثدي للمرأة ، كلمها : جرحها . العثار : الزلل . أشنق الناقة : جذبها إليه بالزمام . وأسلس للناقة : أرخى لها الزمام . تقحّم : هلك .

2.سورة البقرة ۱۸۸ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
88

السادسة : « أَصُولُ بيدٍ جَذّاء » ، قد ذكرناه .
السابعة : « أصْبِر على طَخْية عمياء » ، قد ذكرناه أيضا .
الثامنة : « وفي العين قذى » ، أي صبرت على مضض كما يصبر الأرمد .
التاسعة : « وفي الحَلْق شَجا » ، وهو ما يعترض في الحلْق ، أي كما يصبر من غَصَّ بأمرٍ فهو يكابد الخَنْق .
العاشرة : « أرى تُراثي نَهْبا » ، كنى عن الخلافة بالتراث ، وهو الموروث من المال .
فأمّا قوله عليه السلام : « إن محلّي منها محلّ القُطْب من الرحى » ، فليس من هذا الَّنمط الذي نحن فيه ، ولكنه تشبيه محض ، خارج من باب الاستعارة والتوسع ؛ يقول : كما أنّ الرحى لاتدور إلاّ على القُطْب ، ودورانُها بغير قَطْب لا ثمرة له ولا فائدة فيه ، كذلك نِسْبتي إلى الخلافة ، فإنها لا تقوم إلاّ بي ، ولا يدور أمرُها إلاّ عليّ ، وعندي ، أنّه أراد أمراً آخر ، وهو أنّي من الخلافة في الصميم ، وفي وَسَطها وبُحْبُوحَتِها ؛ كما أن القطب وسط دائرة الرحى .
وأمّا قوله : « يَهْرُم فيها الكبير ، ويَشيب فيها الصغير » ، فيمكن أنْ يكونَ من باب الحقائق ، ويمكن أن يكون من باب المجازات والاستعارات ؛ أمّا الأول ، فإنه يعني به طولَ مدة ولاية المتقدّمين عليه ، فإنها مدة يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير . وأمّا الثاني ، فإنه يعني بذلك صعوبةَ تلك الأيام ؛ حتى إنّ الكبير من الناس يكاد يَهْرم لصعوبتها ، والصغير يشيب من أهوالها ، كقولهم : هذا أمر يَشيب له الوليد ؛ وإن لم يَشِب على الحقيقة .
وقوله عليه السلام : « حتى يَلْقى ربّهْ » بالوقف والإسكان ، كما جاءت به الروايةُ في قوله سبحانه : « ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهْ »۱ بالوقف أيضا .

الأصْلُ :

۰.حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ ، فَأَدْلَى بِهَا إلَى ابن الخَطَّابِ بَعْدَهُ :

شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَاوَيَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ
فَيَا عَجَبا !! بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُها في حَيَاتِهِ إذْ عَقَدَهَا لآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ـ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا

1.سورة البينة ۸ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183636
صفحه از 712
پرینت  ارسال به