91
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

بادرته .
قوله عليه السلام : « ويكثر العِثار فيها ، والاعتذار منها » ، يقول : ليست هذه الجهة جَدَدا مَهْيَعا ، بل هي كطريق كثيرة الحجارة ، لا يزال الماشي فيه عاثرا . وأما « منها » في قوله عليه السلام : « والاعتذار منها » ، فيمكن أن تكون « مِنْ » على أصلها ، يعني أنّ عمر كان كثيرا ما يحكُم بالأمر ثم ينقضُه ، ويفتِي بالفُتْيا ثم يرجع عنها ، ويعتذر مما أفتى به أولاً .
والصَّعْبة من النوق : ما لم تُرْكَبُ ولم تُرَضْ ، إنْ أشنَق لها راكبها بالزمام خرم أنفها ، وإن أسلس زمامها تقحّم في المهالك فألقته في مَهْواة أو ماء أو نار ، أو نَدّت فلم تقف حتى تُردِيَه عنها فَهلك . وأشنَقَ الرَّجُل ناقتَه ، إذا كفّها بالزمام ، وهو راكبها ، واللغة المشهورة شنق ، ثلاثية .
وقال الرضيُّ أبو الحسن رحمه اللّه تعالى : إنما قال عليه السلام : أشنَقَ لها ، ولم يقل : « أشنقها » ، لأنّه جعل ذلك في مقابلة قوله : « أسلس لها » وهذا حسن ، فإنّهم إذا قصدوا الإزدواج في الخطابة فعلوا مثل هذا .
قوله عليه السلام : « فمنِيَ النَّاسُ » أي بُلِيَ الناس . والخَبْط : السَّيْر على غير جَادّة ، والشِّماس : النِّفار . والتلوّن : التبدُّل . والاعتراض : السيرُ لا على خط مستقيم ، كأنّه يسير عَرْضاً في غضون سيره طولاً ، وإنما يفعلُ ذلك البعير الجامح الخابط . وبعيرٌ عُرْضِيّ : يعترض في مسيره ؛ لأنّه لم يتم رياضته ، وفي فلان عُرْضِيّة ، أي عَجْرفة وصُعوبة .

الأصْلُ :

۰.حَتَّى إذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ ، جَعَلَهَا في جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ ؛ فَيَا للّهِ وَلِلشُّورَى ۱ !

1.مجمل قصة الشورى العمرية . إنّ عمر لما طعنه أبو لؤلؤة ، وعَلِم أنّه ميتٌ ، دعا عليّا عليه السلام وعثمان وطلحة والزبير وسعدا وعبد الرحمن بن عوف في محضر من المسلمين ، وقال : إنّ رسول اللّه مات وهو راضٍ عن هؤلاء الستة من قريش . وقد رأيت أن أجعلها شورى بينهم . ثم قال لأبي طلحة الأنصاري : فكن في خمسين رجلاً من الأنصار حاملي سيوفكم فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله . واجمعهم في بيتٍ فإن اتفق خمسة وأبى واحد فاضرب عنقه ، وإن اتفق أربعة وأبى اثنان فاضرب أعناقهما ، وإن اتفق ثلاثة وخالف ثلاثة ، فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن ـ لعلمه أنّ عبد الرحمن لا يعدل بالأمر عثمان لأنّه صهره وزوج أُخته ـ فارجع إلى ما قد اتفقت عليه ، فإن أصرّت الثلاثة الأُخرى على خلافِها فاضرب أعناقهم وإن مضت ثلاثة أيام ولم يتفقوا على أمر ، فاضرب أعناق الستة ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم . هذا موجز قصة الشورى ، وتفصيلها مذكور في كتب التاريخ ، وكتاب شرح ابن أبي الحديد ( ۱:۱۸۶ ) ، وكتاب (السفيانية) للجاحظ وغيرها . واضح ما في كلام عمر من شواهد العصبية والظلم ، فإن الرجل المأمور بضرب عنقه ، وثاني الاثنين المأمور بضرب أعناقهما ، وثالث الثلاثة المأمور بضرب أعناقهم إنما هو عليّ عليه السلام ، وذلك أنّ عمر كان يعلم كراهة كل واحد من هؤلاء الخمسة ولاية عليّ عليه السلام إلاّ الزبير . ولنا أن نتساءل : كيف أمر عمر بقتل الستة كلهم أو بعضهم . بعد أن شهد بأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم مات وهو راضٍ عنهم ؟ ثم كيف يحكم بقتلهم لمجرد امتناعهم ؟ ولماذا جعل عبد الرحمن بن عوف محورا يقتل من يخالفه ؟ ولماذا لم يرشح ابن عوف منذ البداية ؟ ولماذا سلّط أبا طلحة الأنصاري على المرشحين لزعامة المسلمين ؟ وما الذي دعاه أن يجعل الشورى إلى ستة لا إلى جميع المسلمين كما فعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ـ على زعمه ـ أو يختار الأصلح كما فعل أبو بكر ؟ لكن الخليفة كان حريصا على صرف الأمر عن عليّ عليه السلام وحصرها في عثمان . « فياللّه وللشورى » . وروى القطب الراوندي : إنّ عمر لما قال : كونوا مع الثلاثة التي عبد الرحمن فيها . قال ابن عباس لعليّ عليه السلام : ذهب الأمر منا ، الرجل يريد أن يكون الأمر في عثمان . فقال عليّ عليه السلام : وأنا أعلم ذلك ... . وفي اليوم الثالث من الشورى ، عرض عبد الرحمن على عليّ عليه السلام العمل بسيرة الشيخين ، فقال : بل اجتهد برأيي . فبايع عثمان بعد أن عرض عليه ، فقال : نعم . فقال عليّ عليه السلام : ليس هذا بأوّل يوم تظاهرتُم فيه علينا ، فصبر جميل واللّه المستعان على ما تصفون ، واللّه ما ولّيتَه الأمر إلاّ ليردّه إليك ، واللّه كل يوم هو في شأن . ولمزيد التفصيل راجع الشرح الأصل من هذا الكتاب ۱ : ۱۹۴ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
90

سكون شامل ، فانتظم أمرُه ، واطَّرد حاله ، وسكنت أيامه ۱ .
قوله عليه السلام : « فيا عجباً » أصله ، فياعجبي ، قال : العجب منه ، وهو يستقيل المسلمين من الخلافة أيام حياته ، فيقول : أقيلوني ، ثم يعقدها عند وفاته لآخر ، وهذا يناقض الزهد فيها والاستقالة منها . وقال شاعر من شعراء الشِّيعة :

حَمَلُوها يومَ السَّقيفَةِ أوزارا تَخفُّ الجبال وَهِيَ ثِقَالُ
ثم جاءوا من بَعْدِهَا يستقِيلُونَ ، وهيهاتَ عثرة لا تقالُ!
وقوله عليه السلام : « لشدّ ما تشطَّرا ضرعيها » ، شدّ ، أصله « شدد » ، كقولك : حبّ في « حبذا » أصله حَبَب ، ومعنى « شدّ » صار شديدا جدّا ، ومعنى « حبّ » صار حبيبا . وللناقة أربعة أخلاف : خِلْفان قادمان وخِلْفان آخران ، وكلّ اثنين منهما شطر وتَشَطَّرا ضَرْعيها : اقتسما فائدتها ونفعها ، والضمير للخلافة ، وسَمّى القادميْن معاً ضَرْعاً ، وسمَّى الآخرين مَعا ضَرْعاً لمَّا كانا لتجاورهما ، ولكونهما لا يُحْلَبَان إلاّ معاً ، كشيء واحد .
قوله عليه السلام : « فجعلها في حَوزَة خشناء » ، أي في جهة صعبة المرام ، شديدة الشَّكيمة. والكَلم : الجرح . وقوله : « يغلُظ » الجُرج إذا أمعن وعَمُق ، فكأنَّه قد تضاعف وصار جُروحاً ، فسمّي غليظا .
إن قيل : قد قال عليه السلام « في حَوزَةٍ خَشْنَاء » ، فوصفها بالخشونة ، فكيف عاد ذكر الخشونة ثانية فقال : « يَخْشُنُ مَسُّها »؟
قيل : الاعتبار مختلف ؛ لأنّ مراده بقوله « في حوزة خشناء » أي لا يُنال ما عندها ولا يرام ، يقال : إنّ فلانا الخشِن الجانب ووعر الجانب ، ومراده بقوله : « يَخْشنُ مَسُّها » ، أي تؤذي وتضر وتنكئ مَنْ يمسّها ؛ يصف جفاء أخلاق الوالي المذكور ۲ ، ونفور طبعه وشدة

1.إنّ الإمام عليه السلام كان يعتقد أنّ عمر جعل في عنقه بيعة أبي بكر ، ليصير الأمر إليه من بعده . وقد صرح بذلك تارة لعمر بقوله : « احلب حلبا لك شطره ، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً » ، راجع الإمامة والسياسة لابن قتيبة ۱:۲۹ بتحقيق علي شيري ، والأصل من هذا الكتاب ۶:۱۱ ـ ۱۲ . ولذا جعل تصيير أبي بكر الأمر إلى عمر إرشاءً له . وتارة لعبد الرحمن بن عوف في يوم بيعة عثمان : « واللّه ما فعلتها إلاّ لأنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه ، دقّ اللّه بينكما عطر منشم » . ذكره ابن أبي الحديد ، راجع الأصل من هذا الشرح ۱:۱۸۸ .

2.ويقصد به عمر بن الخطاب . والمعروف من سيرة عمر ، أنها كانت بالعنف والعجرفة ، وبالجهل وقلّة المعرفة وبأن معاملته للناس كانت خبطا ، وشماسا أي محاباة وإيثارا ، كما فعل في العطاء . وشبّه عمله بفعل البعير النادّ الشارد ، وبفعل الفرس الشموس ، وتقلّبا في الأقوال والأفعال إذ كان في أخلاق عمر وألفاظه جفاء وعنجهية ظاهرة ، منها ـ الكلمة التي قالها في مرض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ـ إنّه ليهجر ، حينما قال : آتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ، قال ابن أبي الحديد : ولكنه أرسلها على مقتضى خشونة غريزته ، وفي شرح النهج ۱ : ۱۸۱ ـ ۱۸۳ تجد الكثير من المصاديق على سلوكه هذا .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183545
صفحه از 712
پرینت  ارسال به