99
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

سَتَرَنِي عَنْكُمْ جِلْبَابُ الدِّينِ ، وَبَصَّرَنِيكُمْ صِدْقُ النِّيَّةِ . أَقَمْتُ لَكْمُ عَلَى سَنَنِ الْحَقِّ في جَوَادِّ الْمَضَلَّةِ ، حَيْثُ تَلْتَقُونَ وَلا دَلِيلَ ، وَتَحْتَفِرُون وَلا تُمِيهُونَ .
الْيَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ الْعَجْمَاءَ ذاتَ الْبَيَانِ ! عَزَبَ رَأْيُ امْرِئٍ تَخَلَّفَ عَنِّي ! مَا شَكَكْتُ في الْحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ ! لَمْ يُوجِسْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ خِيفَةً عَلَى نَفْسِهِ ، بَلْ أَشْفَقَ مِن غَلَبَةِ الْجُهَّالِ وَدُوَلِ الضَّلالِ ! الْيَوْمَ تَوَاقَفْنَا عَلَى سَبيلِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ . مَنْ وَثِقَ بمَاءٍ لَمْ يَظْمَأْ ۱ !

الشّرْحُ :

هذه الكلمات والأمثال ملتقَطة من خطبة طويلة ، منسوبة إليه عليه السلام .
وأمّا قوله عليه السلام : « بنا اهتديتم في الظّلماء » ، فيعني بالظلماء الجهالة ، وتَسَنَّمتم العلياء : ركبتم سنامها ، وهذه استعارة .
قوله : « وبنا انفجرتم عن السِّرار » ، أي دخلتم في الفَجْر ، والسِّرار : الليلة والليلتان يستتر فيهما القمر في آخر الشهر فلا يظهر . وروي « أفجرتم » ، وهو أفصح وأصحّ ، فأفجرتم ، أي : صرتم ذوي فجر . وأما « عن » في قوله : « عن السرار » فهي للمجاوزة على حقيقة معناها الأصليّ ، أي : منتقلين عن السرار ومتجاوزين له .
وقوله عليه السلام : « وقر سمع » هذا دعاء على السمع الذي لم يفقه الواعية بالثِّقل والصّمَم ، وُقِرَت أُذُنُ زيد ، بضم الواو فهي موقورة ، والوَقْر : بالفتح ، الثِّقَل في الأذن ، وَقِرَتْ أذنُه ، بفتح الواو وكسر القاف تَوْقَر وَقْرا أي صَمّت ، والمصدر في هذا الموضع جاء بالسّكون ، وهو شاذّ ، وقياسه التحريك بالفتح ، نحو ورِم وَرَما . والوَاعية : الصارخة ، من الوُعاء ، وهو الجَلبَة والأصوات ، والمراد العبر والمواعظ .

1.تسنّم الشيء : علاه . من قولهم تسنّم الناقة أي ركب سنامها . الذروة : أعلى الشيء . السرار : الظلام . الوقر : الصمم . الواعية : الصراخ ، والزواجر . النبأة : الصوت الخفي . الصيحة : الصوت بشدة . الجنان : القلب . أتوسم : أتفرس . الجواد : جمع جادة ، وهي وسط الطريق . المضلّة : الأرض التي يضلّ سالكها . لا تميهون : لا تجدون مياها . العجماء : التي لا نطق لها . عزب : غاب وخفي .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
98

قال مصدّق : وكان ابن الخشاب صاحبَ دعابة وهزل ، قال : فقلت له : أتقول إنها منحولة! فقال : لا واللّه ، وإني لأعلم أنّها كلامه ، كما أعلم أنك مصدّق . قال : فقلت له : إن كثيرا من الناس يقولون إنها من كلام الرضيّ ، رحمه اللّه تعالى . فقال : أنّى للرضيّ ولغير الرضي هذا النَّفَس وهذا الأُسلوب ! قد وقفنا على رسائل الرضيّ ، وعرفنا طريقته وفَنّه في الكلام المنثور ، وما يقع مع هذا الكلام في خَلٍّ ولا خَمْر ، ثم قال : واللّه لقد وقفتُ على هذه الخطبة في كتب صُنِّفت قبل أن يخلق الرضيّ بمئتي سنة ، ولقد وجدتُها مسطورة بخطوط أعرفها ، وأعرف خطوط مَنْ هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيبُ أبو أحمد والد الرضي .
قلت : وقد وجدت أنا كثيرا من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخيّ إمام البغداديين من المعتزلة ، وكان في دولة المقتدر قبل أن يُخلق الرضيّ بمدة طويلة . ووجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبي جعفر بن قبّة أحد متكلمي الإمامية ۱ وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب « الإنصاف » . وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخيرحمه اللّه تعالى ، ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضيّ رحمه اللّه تعالى موجودا .

4

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامبِنَا اهْتَدَيْتُمْ في الظَّلْمَاءِ ، وَتَسَنَّمْتُمْ ذُرْوَةَ الْعَلْيَاءِ ، وبِنَا اَنْفَرَجْتُمْ عَنِ السِّرَارِ . وُقِرَ سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ الْوَاعِيَةَ ، وَكَيْفَ يُرَاعِي النَّبْأَةَ مَنْ أَصَمَّتْهُ الصَّيْحَةُ ؟ رُبِطَ جَنَانٌ لَمْ يُفَارِقْهُ الْخَفَقَانُ . مَا زِلْتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ الْغَدْرِ ، وَأَتَوَسَّمُكُمْ بِحِلْيَةِ الْمُغْتَرِّينَ ، حَتَّى

1.هو أبو جعفر بن محمد بن قبة ؛ من متكلمي الشيعة وحذاقهم ، وله من الكتب كتاب الإنصاف في الإمامة . عاش أوائل القرن الرابع . الفهرست : ص۱۷۶ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 147404
صفحه از 712
پرینت  ارسال به