101
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

وقوله تعالى : «وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي» ، أي أحللتُ فيه الحياة ، وأجريت الرُّوح إليه في عروقه ، وأضاف الروح إليه تبجيلاً لها ، وسمّى ذلك نفخاً على وجه الاستعارة ؛ لأنّ العرب تتصوّر من الروح معنى الريح ، والنّفخ يصدق على الريح ، فاستعار لفظة «النفخ» توسُّعاً .
قوله : «فافتخر على آدم بخلْقه ، وتعصّب عليه لأصله» ، كانت خلقتُه أهونَ من خلقة آدم عليه السلام ، وكان أصلُه من نار وأصل آدم عليه السلام من طين .
قوله عليه السلام : «رداء الجَبريّة» الباءُ مفتوحة ، يقال : فيه جبريّة ، وجبروّة ، وجَبَروت ، وجَبُّورة ، كفرُّوجة ، أي كِبْر . وجعله مدحورا ، أي مطرودا مبعدا ، دحره اللّه دُحورا ، أي أقصاه وطرده .

الأصْلُ:

۰.وَلَوْ أَرَادَ اللّهُ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ مِنْ نُورٍ يَخْطَفُ الْأَبْصَارَ ضِيَاؤُهُ ، وَيَبْهَرُ الْعُقُولَ رُوَاؤُهُ ، وَطِيبٍ يَأْخُذُ الْأَنْفَاسَ عَرْفُهُ ، لَفَعَلَ ؛ وَلَوْ فَعَلَ لَظَلَّتْ لَهُ الْأَعْنَاقُ خَاضِعَةً ، وَلَخَفَّتِ الْبَلْوَى فِيهِ عَلَى المَلائِكَةِ . وَلكِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ يَبْتَلِي خَلْقَهُ بِبَعْضِ مَا يَجْهَلُونَ أَصْلَهُ ، تَمْيِيزاً بِالاِخْتِبَارِ لَهُمْ ، وَنَفْياً لِلاِسْتِكْبَارِ عَنْهُمْ ، وَإِبْعَاداً لِلْخُيَلاَءِ مِنْهُمْ . فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللّهِ بِإِبْلِيسَ إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِيلَ ، وَجَهْدَهُ الْجَهِيدَ ، وَكَانَ قَدْ عَبَدَ اللّهَ سِتَّةَ آلاَفِ سَنَةٍ ، لاَ يُدْرَى أَمِنْ سِنِي الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي الاْخِرَةِ ، عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَمَنْ ذَا بَعْدَ إِبْلِيسَ يَسْلَمُ عَلَى اللّهِ بِمِثْلِ مَعْصِيَتِهِ !
كَلاَّ ، مَا كَانَ اللّهُ سُبْحَانَهُ لِيُدْخِلَ الْجَنَّةَ بَشَراً بِأَمْرٍ أَخْرَجَ بِهِ مِنْهَا مَلَكاً ؛ إِنَّ حُكْمَهُ فِي أَهْلِ السَّماءِ والْأَرْضِ لَوَاحِدٌ . وَمَا بَيْنَ اللّهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ هَوَادَةٌ فِي إِبَاحَةِ حِمىً حَرَّمَهُ عَلَى الْعَالَمِينَ .

الشّرْحُ:

خَطِفت الشيء بكسر الطاء ، أخطَفه ، إذا أخذته بسرعة استلابا ، وفيه لغة أُخرى : خَطَف بالفتح ، ويخطِف بالكسر ، وهي لغة رديئة قليلة لا تكاد تعرف . والرُّواء ، بالهمزة والمد :


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
100

أَلاَ تَرَوْنَ كَيْفَ صَغَّرَهُ اللّهُ بِتَكَبُّرِهِ ، وَوَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ ، فَجَعَلَهُ فِي الدُّنْيَا مَدْحُوراً ، وَأَعَدَّ لَهُ فِي الاْخِرَةِ سَعِيراً ۱
.

الشّرْحُ:

يجوز أن تسمّى هذه الخطبة «القاصعة» من قولهم : قَصَعت الناقة بجِرّتها ، وهو أن تردّها إلى جوفها ، أو تخرجها من جوفها فتملأ فاها ، فلمّا كانت الزواجر والمواعظ في هذه الخطبة مردّدة من أولها إلى آخرها ، شبّهها بالناقة التي تقصع الجِرَّة . ويجوز أن تسمى القاصعة لأنها كالقاتلة لإبليس وأتباعِهِ من أهل العصبيّة ، من قولهم : قَصَعت القملة ، إذا هشمتَها وقتلتها . ويجوز أن تسمَّى القاصعة ، لأنّ المستمع لها المعتبر بها يذهب كبْره ونخوته ، فيكون من قولهم : قصع الماءُ عطشه ، أي أذهبه وسكنه ؛ ويجوز أن تسمَّى القاصعة ، لأنها تتضمّن تحقير إبليس وأتباعَه وتصغيرَهم ، من قولهم : قصعت الرجل إذا امتهنتَه وحقّرتَه ، وغلام مقصوع ، أي قميء لا يشِبّ ولا يزداد .
والعصبيّة على قسمين : عصبيّة في اللّه وهي محمودة ، وعصبيّة في الباطل وهي مذمومة ؛ وهي الّتي نهى أمير المؤمنين عليه السلام عنها ، وكذلك الحميّة . وجاء في الخبر : «العصبيّة في اللّه تورث الجنة ، والعصبية في الشيطان تورث النار» . وجاء في الخبر : «العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني فيهما قصمته» ؛ وهذا معنى قوله عليه السلام : «اختارهما لنفسه دون خلْقه ...» إلى آخر قوله : «من عباده» .
قال عليه السلام : «ثم اختبر بذلك ملائكته المقرّبين» مع علمه بمضمراتهم ؛ وذلك لأنّ اختباره سبحانه ليس ليعلَم ، بل ليعلم غيره من خلقه طاعة مَنْ يطيع وعصيان من يعصي .
قوله تعالى : «فإذَا سَوَّيتُه» ، أي إذا أكملت خلقه . فقعوا له ساجدين : أمرهم بالسجود له . وقد اختلف في ذلك فقال قوم : كان قبلة ، كما الكعبة اليوم قبلة ، ولا يجوز السّجود إلاّ للّه . وقال آخرون : بل كان السُّجود له تكرمةً ومحنة ، والسجود لغير اللّه غير قبيح في العقل إذا لم يكن عبادة ولم يكن فيه مفسدة .

1.الحَرَم : ما يحميه الإنسان ويدافع عنه . اصطفاهما : اختارهما . نازعه : خاصمه . الحميّة : الأنفة . السلف : المتقدّم . الجبرية : العلو والعظمة . المدحور : المطرود .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 250808
صفحه از 800
پرینت  ارسال به