وَاعْتَمِدُوا وَضْعَ التَّذَلُّلِ عَلَى رُؤُوسِكُمْ ، وَإِلْقَاءَ التَّعَزُّزِ تَحَتْ أَقْدَامِكُمْ ، وَخَلْعَ التَّكَـبُّرِ مِنْ أَعْنَاقِكُمْ ؛ وَاتَّخِذُوا التَّوَاضُعَ مَسْلَحَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّكُمْ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ ؛ فَإِنَّ لَهُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ جُنُوداً وَأَعْوَاناً ، وَرَجِلاً وَفُرْسَاناً ، وَلاَ تَكُونُوا كالْمُتَكَبِّرِ عَلَى ابْنِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَهُ اللّهُ فِيهِ سِوَى مَا أَلْحَقَتِ الْعَظَمَةُ بِنَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَةِ الحَسَبِ ، وَقَدَحَتِ الْحَمِيَّةُ فِي قَلْبِهِ مِنْ نَارِ الْغَضَبِ ، وَنَفَخَ الشَّيْطَانُ فِي أَنْفِهِ مِنْ رِيحِ الْكِبْرِ ؛ الَّذِي أَعْقَبَهُ اللّهُ بِهِ النَّدَامَةَ ، وَأَلْزَمَهُ آثَامَ الْقَاتِلِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
الشّرْحُ:
موضع «أن يُعدِيَكم» نصب على البدَل من «عدوّ اللّه » . والعَدْوَى : ما يُعدِي من جَرَبٍ أو غيره ، أعدى فلانٌ فلاناً من خُلُقه أو من علّته ، وهو مجاوزته من صاحبه إلى غيره . وأمير المؤمنين عليه السلام حذّر المكلّفين من أن يتعلّموا من إبليس الكِبْرَ والحميّة ، وشبّه تعلّمهم ذلك منه بالعَدْوَى لاشتراك الأمريْن في الانتقال من أحدِ الشّخْصين إلى الآخر .
قوله عليه السلام : «يستفزّكم» أي يستخفّكم ، وهو من ألفاظ القرآن : «وَاستَفْزِزْ مَنِ استَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ»۱ ، أي أزعجه واستخفّه وأطِرْ قلبَه . والخيل : الخيّالة ، ومنه الحديث : «يا خَيْلَ اللّهِ ارْكَبِي» . والرَّجْل : اسم جَمْع لراجل ، كَركْب اسم جمع لراكِبٍ ، وصَحْب : اسم جمع لصاحبٍ ، وهذه أيضا من ألفاظ القرآن العزيز : «وَأجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ» وقرئ «ورَجِلِك»۲ بكسر الجيم على أن «فِعلاً» بالكسر بمعنى فاعل نحو تَعِب وتَاعِب .
فإن قلت : فهل لإبليس خيل تركبها جنده؟
قلت : يجوز أن يكون ذلك ، وقد فسّره قوم بهذا . والصحيح أنه كلام خرج مخرج المثَل ، شبّهت حاله في تسلّطه على بني آدم بمن يُغِير على قوم بخيله ورجله فيستأصلهم . وقيل : بصوتك، أي بدعائك إلى القبيح. وخيله ورجله: كلّ ماش وراكب من أهل الفساد من بني آدم.
وفوّقت السهم ، جعلت له فُوقا ، وهو موضع الوَتر ، وهذا كناية عن الاستعداد . وقوله : «وأغرق إليكُمْ بالنَّزْع» ، أي استوفى مدّ القوس وبالغ في نَزْعِها ليكون مرماه أبعدَ ، ووقعُ