107
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

قال : «ابن أُمّه» ، فذكر الأُمّ دون الأب ؛ لأنّ الأخَوين من الأُمّ أشدّ حُنُوّا ومحبة والتصاقاً من الأخوين من الأب ؛ لأنّ الأُمّ هي ذات الحضانة والتّربية .
وقوله : «من غير ما فضل» ؛ ما هاهنا زائدة ، وتعطي معنى التأكيد ؛ نهاهم عليه السلام أن يحسدوا النّعم ، وأن يبغوا ويفسدوا في الأرض . قوله عليه السلام : «وألزمه آثام القاتلين إلى يوم القيامة» ؛ لأنّه كان ابتدأ بالقتل ، ومَنْ سنّ سنّة شرٍّ كان عليه وزرها ووِزْر مَنْ عمل بها إلى يوم القيامة ، كما أنّ مَنْ سَنّ سنّة خير كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة .

الأصْلُ:

۰.أَلاَ وَقَدْ أَمْعَنْتُمْ فِي الْبَغْيِ ، وَأَفْسَدْتُمْ فِي الْأَرْضِ ، مُصَارَحَةً لِلّـهِ بِالمُنَاصَبَةِ ، وَمُبَارَزَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بِالمُحَارَبَةِ . فَاللّهَ اللّهَ فِي كِبْرِ الْحَمِيَّةِ ، وَفَخْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ! فَإِنَّهُ مَلاَقِحُ الشَّنَآنِ ، وَمَنَافِخُ الشَّيْطَانِ ؛ الَّتِي خَدَعَ بِهَا الْأُمَمَ الْمَاضِيَةَ ، وَالْقُرُونَ الْخَالِيَةَ ؛ حَتَّى أَعْنَقُوا فِي حَنَادِسِ جَهَالَتِهِ ، وَمَهَاوِي ضَلاَلَتِهِ ، ذُلُلاً عَنْ سِيَاقِهِ ، سُلُساً فِي قِيَادِهِ . أَمْراً تَشَابَهَتِ الْقُلُوبُ فِيهِ ، وَتَتَابَعَتِ الْقُرُونُ عَلَيْهِ ؛ وَكِبْراً تَضَايَقَتِ الصُّدُورُ بِهِ .
أَلاَ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِكُمْ وَكُبَرَائِكُمْ ! الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ ، وَتَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ ، وَأَلْقَوُا الْهَجِينَةَ عَلَى رَبِّهِمْ ، وَجَاحَدُوا اللّهَ عَلَى مَا صَنَعَ بِهِمْ ؛ مُكَابَرَةً لِقَضَائِهِ ، وَمُغَالَبَةً لاِلاَئِهِ ، فَإِنَّهُمْ قَوَاعِدُ آسَاسِ الْعَصَبِيَّةِ ، وَدَعَائِمُ أَرْكَانِ الْفِتْنَةِ ، وَسُيُوفُ اعْتِزَاءِ الْجَاهِليَّةِ .
فَاتَّقُوا اللّهَ وَلاَ تَكُونُوا لِنَعَمِهِ عَلَيْكُمْ أَضْدَاداً ، وَلاَ لِفَضْلِهِ عِنْدَكُمْ حُسَّاداً ، وَلاَ تُطِيعُوا الْأَدْعِيَاءَ الَّذِينَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ ، وَخَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ ، وَأَدْخَلْتُمْ فِي حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ ، وَهُمْ آسَاسُ الْفُسُوقِ ، وَأَحْلاَسُ الْعُقُوقِ ؛ اتَّخَذَهُمْ إِبْلِيسُ مَطَايَا ضَلاَلٍ ، وَجُنْداً بِهِمْ يَصُولُ عَلَى النَّاسِ ، وَتَرَاجِمَةً يَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ ، اسْتِرَاقاً لِعُقُولِكُمْ ، وَدُخُولاً فِي عُيُونِكُمْ ، وَنَفْثاً فِي أَسْمَاعِكُمْ ، فَجَعَلَكُمْ مَرْمَى نَبْلِهِ ، وَمَوْطِئَ قَدَمِهِ ، وَمَأْخَذَ يَدِهِ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
106

قوله : «وأوطَؤوكم إثخان الجراحة» ، أي جعلوكم واطئين لذلك ، والإثخان : مصدر أثخَن في القتل ، أي أكثر منه وبالغ حتى كثف شأنه ، وصار كالشيء الثَّخِين ، ومعنى إيطاء الشيطان ببني آدم ذلك إلقاؤه إيّاهم فيه ، وتوريطهم وحمله لهم عليه . فالإثخان على هذا منصوب ؛ لأنّه مفعول ثانٍ . قوله عليه السلام : «طَعْنا في عيونكم» ، انتصب «طعناً» على المصدر ، وفعله محذوف ، أي فعلوا بكم هذه الأفعال فطعنوكم في عيونكم طعنا .
واعلم أنّه لمّا ذكر الطعنَ نسبه إلى العيون ، ولمّا ذكر الحزّ ، وهو الذبح نسبه إلى الحلوق ، ولما ذكر الدّقّ ، وهو الصدم الشديد أضافه إلى المناخر ، وهذا من صناعة الخطابة التي علّمه اللّه إيّاها بلا تعليم ، وتعلّمها الناس كلّهم بعده منه .
والخزائم : جمع خزامة ، وهي حلقة من شعر تجعل في وَتَرة أنف البعير فيشدّ فيها الزّمام . وتقول : قد وَرَى الزّند ، أي خرجت ناره ، وهذا الزند أوْرَى من هذا ، أي أكثر إخراجا للنار . يقول : فأصبح الشيطان أضرَّ عليكم وأفسد لحالكم من أعدائكم الّذين أصبحتم مناصبين لهم ، أي معادين ، وعليهم متألبين ، أي مجتمعين .
قوله عليه السلام : «فاجعلوا عليه حَدّكُمْ» ، أي شَبَاتكم وبأسكم . وله جِدّكم : من جددت في الأمر جدّا ، أي اجتهدت فيه وبالغت . ثم ذكر أنّه فَخَر على أصلِ بني آدم ، يعني أباهم آدم عليه السلام حيث امتنع من السجود له ، وقال : «أنا خير منه» . ووقع في حَسَبِكم ، أي عاب حَسَبَكم وهو الطين ، فقال : إنّ النّار أفضلُ منه . ودفع في نسبكم مثله . وأجلب بخيله عليكم ، أي جمع خَيَّالته وفُرْسانه وألّبها . ويقتنصونكم : يتصيّدونكم . والبَنان : أطراف الأصابع ، وهو جمع ، واحدته بَنَانة ، ويجمع في القلة على بَنانَات ، ويقال : بنان مخضَّب ؛ لأنّ كلّ جمع ليس بينه وبين واحده إلاّ الهاء فإنه يذكّر ويوحّد . والحَوْمة : معظم الماء والحرب وغيرهما ، وموضع هذا الجارّ والمجرور نصب على الحال ، أي يقتنصونكم في حومة ذلّ . والجَولة : الموضع الّذي تجول فيه . وكَمَن في قلوبكم : استتر ، ومنه الكمين في الحرْب . ونزغات الشيطان : وساوسه الّتي يفسد بها . ونفثاته مثله .
قوله : «واعتمدوا وضع التذلّل على رؤوسكم ، وإلقاء التعزّز تحت أقدامكم » ، كلامٌ شريف جليل المحلّ ، وكذلك قوله عليه السلام : «واتّخذوا التّواضع مسلحةً بينكم وبين عدوّكم إبليس وجنوده» ، والمسلحة : خيلٌ معدّة للحماية والدفاع .
ثم نهاهم أن يكونوا كقابيل الّذِي حَسَد أخاه هابيل فقتَله ، وهما أخَوانِ لأب وأُمّ ، وإنما

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 250723
صفحه از 800
پرینت  ارسال به