قال : «ابن أُمّه» ، فذكر الأُمّ دون الأب ؛ لأنّ الأخَوين من الأُمّ أشدّ حُنُوّا ومحبة والتصاقاً من الأخوين من الأب ؛ لأنّ الأُمّ هي ذات الحضانة والتّربية .
وقوله : «من غير ما فضل» ؛ ما هاهنا زائدة ، وتعطي معنى التأكيد ؛ نهاهم عليه السلام أن يحسدوا النّعم ، وأن يبغوا ويفسدوا في الأرض . قوله عليه السلام : «وألزمه آثام القاتلين إلى يوم القيامة» ؛ لأنّه كان ابتدأ بالقتل ، ومَنْ سنّ سنّة شرٍّ كان عليه وزرها ووِزْر مَنْ عمل بها إلى يوم القيامة ، كما أنّ مَنْ سَنّ سنّة خير كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة .
الأصْلُ:
۰.أَلاَ وَقَدْ أَمْعَنْتُمْ فِي الْبَغْيِ ، وَأَفْسَدْتُمْ فِي الْأَرْضِ ، مُصَارَحَةً لِلّـهِ بِالمُنَاصَبَةِ ، وَمُبَارَزَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بِالمُحَارَبَةِ . فَاللّهَ اللّهَ فِي كِبْرِ الْحَمِيَّةِ ، وَفَخْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ! فَإِنَّهُ مَلاَقِحُ الشَّنَآنِ ، وَمَنَافِخُ الشَّيْطَانِ ؛ الَّتِي خَدَعَ بِهَا الْأُمَمَ الْمَاضِيَةَ ، وَالْقُرُونَ الْخَالِيَةَ ؛ حَتَّى أَعْنَقُوا فِي حَنَادِسِ جَهَالَتِهِ ، وَمَهَاوِي ضَلاَلَتِهِ ، ذُلُلاً عَنْ سِيَاقِهِ ، سُلُساً فِي قِيَادِهِ . أَمْراً تَشَابَهَتِ الْقُلُوبُ فِيهِ ، وَتَتَابَعَتِ الْقُرُونُ عَلَيْهِ ؛ وَكِبْراً تَضَايَقَتِ الصُّدُورُ بِهِ .
أَلاَ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِكُمْ وَكُبَرَائِكُمْ ! الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ ، وَتَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ ، وَأَلْقَوُا الْهَجِينَةَ عَلَى رَبِّهِمْ ، وَجَاحَدُوا اللّهَ عَلَى مَا صَنَعَ بِهِمْ ؛ مُكَابَرَةً لِقَضَائِهِ ، وَمُغَالَبَةً لاِلاَئِهِ ، فَإِنَّهُمْ قَوَاعِدُ آسَاسِ الْعَصَبِيَّةِ ، وَدَعَائِمُ أَرْكَانِ الْفِتْنَةِ ، وَسُيُوفُ اعْتِزَاءِ الْجَاهِليَّةِ .
فَاتَّقُوا اللّهَ وَلاَ تَكُونُوا لِنَعَمِهِ عَلَيْكُمْ أَضْدَاداً ، وَلاَ لِفَضْلِهِ عِنْدَكُمْ حُسَّاداً ، وَلاَ تُطِيعُوا الْأَدْعِيَاءَ الَّذِينَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ ، وَخَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ ، وَأَدْخَلْتُمْ فِي حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ ، وَهُمْ آسَاسُ الْفُسُوقِ ، وَأَحْلاَسُ الْعُقُوقِ ؛ اتَّخَذَهُمْ إِبْلِيسُ مَطَايَا ضَلاَلٍ ، وَجُنْداً بِهِمْ يَصُولُ عَلَى النَّاسِ ، وَتَرَاجِمَةً يَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ ، اسْتِرَاقاً لِعُقُولِكُمْ ، وَدُخُولاً فِي عُيُونِكُمْ ، وَنَفْثاً فِي أَسْمَاعِكُمْ ، فَجَعَلَكُمْ مَرْمَى نَبْلِهِ ، وَمَوْطِئَ قَدَمِهِ ، وَمَأْخَذَ يَدِهِ .