هاهنا عن التواضع للرؤساء ، الذين تكبَّروا عن حسبهم ، أي جهلوا أنفسهم ، ولم يفكّروا في أصلهم من النُّطَف المستقذَرة من الطين المنتن ، قال الشاعر :
ما بال من أوّله نُطْفَةٌوجيفةٌ آخرهُ يَفْخَرُ
قوله عليه السلام : «وألقوا الْهَجِينةَ على ربهم» روي «الهَجِينة» على «فَعِيلة» ، كالطبيعة والخليقة ، وروي «الهُجْنَة» على «فُعْلة» كالمضغة واللُّقمة ، والمراد بهما الاستهجان ، من قولك : هو يهجّن كذا ، أي يقبّحه ، ويستهجنه أي يستقبحه . أن نسبوا ما في الأنساب من القبح بزعمهم إلى ربّهم ، مثل أن يقولوا للرجل : أنت عجميّ ونحن عرب ، فإنّ هذا ليس إلى الإنسان ، بل هو إلى اللّه تعالى ، فأيّ ذنب له فيه ! «وجاحدوا اللّه » ، أي كابروه وأنكروا صنعَه إليهم . وآساس بالمد : جمع أساس . واعتزاء الجاهلية : قولهم : يا لَفلان ! فلا تكونوا لنعمة اللّه أضداداً ؛ لأنّ البغيَ والكبْر يقتضيان زوالَ النعمة وتبدّلها بالنقمة . قوله : «ولا تطيعوا الأدعياء» ، مراده هاهنا بالأدعياء الذين ينتحلون الإسلام ويبطنون النفاق . ثم وصفهم فقال : «الذين شربتم بصفوِكم كدَرَهم» ، أي شربتم كدَرَهم مستبدلين ذلك بصفوكم . ويروى : «الذين ضربتم» ، أي مزجتم . ويروى : « شَرَيْتُم» ، أي بعتم واستبدلتم . والأحلاس : جمع حِلْس ، وهو كساء رقيق يكون على ظهر البعير ملازما له ، فقيل لكل ملازم أمر : هو حِلْس ذلك الأمر . والتَّرجمان ، بفتح التاء : هو الّذِي يفسّر لساناً بلسان غيره ، وقد تُضَمّ التاء . ويروى : « ونثّا في أسماعكم » من نَثّ الحديث ، أي أفشاه .
الأصْلُ:
0.فَلَوْ رَخَّصَ اللّهُ فِي الْكِبْرِ لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِيهِ لِخَاصَّةِ أَنبِيَائِهِ ؛ وَلكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهَ إِلَيْهِمُ التَّكَابُرَ ، وَرَضِيَ لَهُمُ التَّوَاضُعَ ، فَأَلْصَقُوا بِالْأَرْضِ خُدُودَهُمْ ، وَعَفَّرُوا فِي التُّرَابِ وُجُوهَهُمْ ، وَخَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَكَانُوا قَوْماً مُسْتَضْعَفِينَ ، قَدِ اخْتَبَرَهُمُ اللّهُ بِالْمَخْمَصَةِ ، وَابْتَلاَهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ ، وَامْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ ، وَمَحَّصَهُمْ بِالْمَكَارِهِ .
فَلاَ تَعْتَبِرُوا الرِّضَى وَالسُّخْطَ بِالمَالِ وَالْوَلَدِ جَهْلاً بِمَوَاقِعِ الْفِتْنَةِ ، وَالاِْخْتِبَارِ فِي مَوْضِعِ الْغِنَى وَالاِقْتَارِ ، فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعالَى : «أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ