111
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

لَفَعَلَ ، وَلَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلاَءُ ، وَبَطَلَ الْجَزَاءُ ، وَاضْمَحَلَّتِ الْأَنْبَاءُ ، وَلَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلِينَ أُجُورُ الْمُبْتَلَينَ ، وَلاَ اسْتَحَقَّ الْمُؤمِنُونَ ثَوَابَ الْمُحْسِنِينَ ، وَلاَ لَزِمَتِ الْأَسْمَاءُ مَعَانِيَهَا ؛ وَلكِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِهِمْ ، وَضَعَفَةً فِيَما تَرَى الْأَعْيُنُ مِنْ حَالاَتِهِمْ ، مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلَأُ الْقُلُوبَ وَالْعُيُونَ غِنىً ، وَخَصَاصَةٍ تَمْلَأُ الْأَبْصَارَ وَالْأَسْمَاعَ أَذىً .

الشّرْحُ:

مدارع الصوف : جمع مِدْرَعة ، بكسر الميم ، وهي كالكساء ، وتدرّع الرجل وتمدْرع إذا لبسها . والعصيّ : جمع عصا . وتقول : هذا سِوار المرأة ، والجمع أسورة ، وجمع الجمع أساورة ، وقرئ : «فَلَوْلاَ أُلقِيَ عَلَيْهِ أسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبِ»۱ . وقد يكون جمع أساور ، قال سبحانه : «يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ»۲ ، قال أبو عمرو بن العلاء : أساور هاهنا جمع إسوار وهو السِّوار . والذِّهْبان ، بكسر الذال : جمع ذهب ، كَخَرب لذكر الحُبارى وخِرْبان . والعِقْيان : الذهب أيضاً .
قوله عليه السلام : «واضمحلّت الأنباء» ، أي تلاشت وفنِيت . والأنْباء : جمع نَبَأ ، وهو الخبر ، أي لسقط الوعد والوعيد وبطلا . قوله عليه السلام : «ولا لزمت الأسماءَ معانيَها» ، أي مَنْ يسمّى مؤمناً أو مسلماً حينئذٍ ، فإنّ تسمِيتَه مجاز لا حقيقة ؛ لأنّه ليس بمؤمن إيمانا مِنْ فِعله وكَسْبه ، بل يكون ملجأ إلى الإيمان بما يشاهده من الآيات العظيمة . والمبتَليْن ، بفتح اللاّم : جمع مبتلىً ، كالمعطَيْن والمرتَضَيْن ، جمع معطىً ومرتضى . والخصاصة : الفقر .

الأصْلُ:

۰.وَلَوْ كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لاَ تُرَامُ ، وَعِزَّةٍ لاَ تُضَامُ ، وَمُلْكٍ تُمَدُّ نَحْوَهُ أَعْنَاقُ الرِّجَالِ ، وَتُشَدُّ إِلَيْهِ عُقَدُ الرِّحَالِ ؛ لَكَانَ ذلِكَ أَهْوَنَ عَلَى الْخَلْقِ فِي الاِعتِبَارِ ، وَأَبْعَدَ لَهُمْ مِنَ

1.سورة الزخرف ۵۳ .

2.سورة الحج ۲۳ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
110

مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لاَ يَشْعُرُونَ» 1 .

الشّرْحُ:

التكابر : التعاظُم ، والغرض مقابلة لفظة «التواضع» لتكون الألفاظ مزدوجةً . وعفّر وجهَه : ألصقه بالعَفَر . وخَفَضُوا أجنحتهم : ألانُوا جانبَهم . والمخمصَة : الجوع . والمجهدة : المشقّة ، وأمير المؤمنين عليه السلام كثير الاستعمال لمفعل ومَفْعَلة بمعنى المصدر ، إذا تصفّحت كلامه عرفت ذلك . ومحّصهم ، أي طهّرهم ، وروي «مخضهم» بالخاء والضاد المعجمة ، أي حرَّكهم وزلزلهم . ثم نهى أن يعتبر رضا اللّه وسخطه بما نراه من إعطائه الإنسان مالاً وولداً ؛ فإن ذلك جهل بمواقع الفتنة والاختبار .
وقوله تعالى : «أيحسبون ...» ، الآية دليل على ما قاله عليه السلام ، والأدلة العقلية أيضا دلّت على أنّ كثيراً من الآلام والغموم والبلوى إنما يفعله اللّه تعالى للألطاف والمصالح . وما الموصولة في الآية يعود إليها محذوف ومقدّر لابدّ منه ؛ وإلاّ كان الكلام غير منتظم ، وغير مرتبط بعضه ببعض ، وتقديره : نسارع لهم به في الخيرات .

الأصْلُ:

۰.فَإِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ ؛ بِأَوْلِيَائِهِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ ؛ وَلَقَدْ دَخَلَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَمَعَهُ أَخُوهُ هَارُونُ ـ صلى اللّه عَلَيْهِمَا ـ عَلَى فِرْعَوْنَ ، وَعَلَيْهِمَا مَدَارِعُ الصُّوفِ ، وَبِأَيْدِيهِمَا الْعِصِيُّ ، فَشَرَطَا لَهُ ـ إِنْ أَسْلَمَ ـ بَقَاءَ مُلْكِهِ ، وَدَوَامَ عِزِّهِ ؛ فَقَالَ : « أَلاَ تَعْجَبُونَ مِنْ هذَيْنِ يَشْرِطَانِ لِي دَوَامَ الْعِزِّ ، وَبَقَاءَ الْمُلْكِ ؛ وَهُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ الْفَقْرِ وَالذُّلِّ ، فَهَلاَّ أُلْقِيَ عَلَيْهِمَا أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ » ؟! إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وَجَمْعِهِ ، وَاحْتِقَاراً لِلصُّوفِ وَلُبْسِهِ !
وَلَوْ أَرَادَ اللّهُ سُبْحَانَهُ لِأَنْبِيَائِهِ حَيْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ الْذِّهْبَانِ ، وَمَعادِنَ الْعِقْيَانِ ، وَمَغَارِسَ الْجِنَانِ ، وَأَنْ يَحْشُرَ مَعَهُمْ طُيُورَ السَّماءِ ، وَوُحُوشَ الْأَرَضِينَ

1.سورة المؤمنون ۵۵ ، ۵۶ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 250702
صفحه از 800
پرینت  ارسال به