الاِسْتِكْبَارِ ، وَلآمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ ، أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِمْ ، فَكَانَتِ النِّيَّاتُ مُشْتَرَكَةً ، وَالْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً ؛ وَلكِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الاِتِّبَاعُ لرُسُلِهِ ، وَالْتَّصْدِيقُ بِكُتُبِهِ ، وَالْخُشُوعُ لِوَجْهِهِ ، وَالاِسْتِكَانَةُ لِأَمْرِهِ ، وَالاِسْتِسْلاَمُ لِطَاعَتِهِ ؛ أُمُوراً لَهُ خَاصَّةً ، لاَ يَشُوبُهَا مِنْ غَيْرِهَا شَائِبَةٌ .
الشّرْحُ:
تمدّ نحوه أعناق الرجال ، أي لعظمته ؛ أي يؤمّله المؤمّلون ويرجوه الراجون ، وكلّ مَنْ أمّل شيئا فقد طَمح ببصره إليه معنىً لا صورة ، فكنَى عن ذلك بمدّ العنق . وتُشدّ إليه عُقَد الرحال : يسافر أربابُ الرغبات إليه ، يقول : لو كانَ الأنبياء ملوكا ذوي بأس وقَهْر لم يمكن إيمان الخلق وانقيادهم إليهم ؛ لأنّ الإيمان في نفسه واجب عقلاً ، بل كان لرهبة لهم أو رغبة فيهم ، فكانت النيّات مشتركة .
وكذلك تفسير قوله : «والحسنات مقتسمة» ، قال : ولا يجوز أن تكون طاعة اللّه تعالى تعلو إلاّ لكونها طاعة له لا غير ، ولا يجوز أن يشوبها ويخالطها من غيرها شائبة .
فإن قلت : ما معنى قوله : «لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار ، وأبعد لهم من الاستكبار»؟
قلت : أي لو كان الأنبياء كالملوك في السَّطْوة والبطش ؛ لكان المكلّف لا يشقّ عليه الاعتبار والانزجار عن القبائح مشقّتَه عليه إذا تركه لقبحه لا لخوف السيف ، وكان بُعدُ المكلفين عن الاستكبار والبغي لخوف السّيف والتأديب أعظمَ من بعدهم عنها إذا تركوهما لوجه قبحهما ، فكان يكون ثواب المكلّف ؛ إمّا ساقطاً ، وإمّا ناقصا .
الأصْلُ:
۰.وَكُلَّمَا كَانَتِ الْبَلْوَى والاِخْتِبَارُ أَعْظَمَ ، كَانَتِ الْمُثُوبَةُ وَالْجَزَاءُ أَجْزَلَ ؛ أَلاَ تَرَوْنَ أَنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ اخْتَبَرَ الْأَوَّلِينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ ـ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِ ـ إِلَى الآخِرِينَ مِنْ هذا الْعَالَمِ ؛ بَأَحْجَارٍ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تنْفَعُ ، وَلاَ تُبْصِرُ وَلاَ تَسْمَعُ ، فَجَعَلَهَا بَيْتَهُ الْحَرَامَ الَّذِي جَعَلَهُ لِلنَّاسِ قِيَاماً ، ثُمَّ وَضَعَهُ بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَجَراً ، وَأَقَلِّ نَتَائِقِ الدُّنْيَا مَدَراً ،