115
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

«يُهِلُّون للّه » ، أي يرفعون أصواتهم بالتلبية ونحوها . ويرمُلون ، الرَّمَل : السعي فوق المشي قليلاً . شُعْثا غُبْرا ؛ لا يتعهدون شعورهم ولا ثيابهم ولا أبدانهم ، قد نبذوا السرابيل ، ورموا ثيابهم وقمصانهم المخيطة . وشوّهوا بإعفاء الشعور ، أي غيّروا وقبحوا محاسن صورهم ، بأنْ أعفَوْا شعورهم فلم يَحلِقوا ما فضل منها وسقط على الوجه ونبت في غيره من الأعضاء التي جرت العادة بإزالتها عنها . والتمحيص : التَّطْهير ، من محّصت الذهب بالنار إذا صفّيتَه مما يشوبه ، والتمحيص أيضا : الامتحان والاختبار . والمشاعر : معالم النُّسُك .
قوله : «وسهل وقرار» ، أي في مكان سهل يستقرّ فيه الناس ولا ينالهم من المقام به مشقّة . وجمّ الأشجار : كثيرها . وداني الثمار : قريبها . وملتفّ البنَى : مشتبك العمارة . والبُرَّة : الواحدة من البُرّ ، وهو الحنطة . والأرياف . جمع ريف وهو الخِصْبِ والمرعى في الأصل ، وهو هاهنا السّواد والمزارع . ومحدِقة : محيطة . ومغدِقة : غزيرة ، والغَدَق : الماء الكثير . وناضرة : ذات نضارة وَروْنق وحُسْن .
قوله : «ولو كانت الإساس» ، يقول : لو كانت إساس البيت الّتي حمل البيت عليها وأحجاره التي رفع بها من زمردة وياقوتة فالمحمول والمرفوع كلاهما مرفوعان ؛ لأنهما صفة اسم كان والخبر «من زمردة» ، وروي : «بين زمردة» . وروي : «مضارعة الشّكّ» بالضاد المعجمة ، ومعناه مقارنة الشك ودنوّه من النفس ، وأصله من مضارعة القِدْر إذا حان إدراكها ، ومن مضارعة الشمس إذا دنت للمغيب .
قوله عليه السلام : «ولَنَفَى معتلج الرّيب» ، أي اعتلاجه ، أي ولنفى اضطراب الشك في القلوب . وروي «يستعبدهم» و «يتعبّدهم» ، والثانية أحسن . والَمجَاهد : جمع مَجْهدة ، وهي المشقة . وأبواباً فُتُحاً ، أي مفتوحة . وأسبابا ذُلُلاً ، أي سهلة .
واعلم أنّ محصول هذا الفصل أنّه كلّما كانت العبادة أشقّ كان الثواب عليها أعظم ، ولو أنّ اللّه تعالى جعل العبادات سهلة على المكلّفين لما استحقُّوا عليها من الثواب إلاّ قدرا يسيرا ، بحسب ما يكون فيها من المشقّة اليسيرة .

الأصْلُ:

۰.فاللّهَ اللّهَ فِي عَاجِلِ الْبَغْيِ ، وَآجِلِ وَخَامَةِ الظُّلْمِ ، وَسُوءِ عَاقِبَةِ الْكِبْرِ ، فَإِنَّهَا مَصْيَدَةُ إِبْلِيسَ الْعُظْمَى ، وَمَكِيدَتُهُ الْكُبْرَى ، الَّتِي تُسَاوِرُ قُلُوبَ الرِّجَالِ مُسَاوَرَةَ السُّمُومِ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
114

أهله ، أي يقيم شؤونهم ، ومنه قوله تعالى : «وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاما»۱ . وأوعرُ بقاع الأرض حجرا ، أي أصعبها ، ومكانٌ وعْر ، بالتسكين : صعب المسلك أو المقام . وأقلُّ نتائق الدُّنيا مدَارا ؛ أصل هذه اللفظة من قولهم : «امرأة مِنْتاق» ، أي كثيرة الحَبل والوِلادة ، ويقال : ضيْعة مِنْتاق أي كثيرة الرّيع ، فجعل عليه السلام الضّياع ذوات المدَر التي تثار للحرْث نتائق ، وقال : إنّ مكّة أقلها صلاحا للزرع ؛ لأنّ أرضها حجرية . والقُطْر : الجانب . ورمالٌ دمِثة : سهلة ، وكلّما كان الرَّمْل أسهَل ؛ كان أبعد عن أن ينبت . وعيون وشِلة ، أي قليلة الماء ، والوَشَل ، بفتح الشين : الماء القليل ، ويقال : وشَل الماء وَشَلانا ، أي قطر .
قوله : «لا يزكُو بها خُفّ» ، أي لا تزيد الإبل فيها أي لا تسمن ، والخُفّ هاهنا هو الإبل ، والحافر : الخيل والحمير ، والظِّلْف : الشاة ، أي ليس حولها مرعىً يرعاه الغنم فتسمَن . وأن يَثُنوا أعطافهم نحوه ، أي يقصِدُوه ويحجّوه ، وعِطْفا الرَّجل : جانباه . وصار مثابة ، أي يُثاب إليه ويُرْجَع نحوه مرّة بعد أُخرى ، وهذه من ألفاظ الكتاب العزيز ۲ . قوله عليه السلام : « لمنتجَع أسفارِهم» ، أي لنُجْعتها ، والنُجعَة ، طلب الكلأ في الأصل ، ثم سمي كلّ مَنْ قصد أمراً يروم النفع منه منتجِعاً . «وغاية لمُلقى رحالهم» ، أي صار البيت هو الغاية التي هي الغرض والمقصد ، وعنده تلقى الرِّحال ، أي تحطّ رحال الإبل عن ظهورها ، ويبطل السفر ؛ لأنهم قد انتهوا إلى الغاية المقصودة .
قوله : «تَهْوِي إليه ثمار الأفئدة» ، ثمرة الفؤاد : هو سويداء القلْب ، ومنه قولهم للولد : هو ثمرة الفؤاد ، ومعنى «تهوِي إليه» ، أي تتشوّقه وتحنّ نحوه . والمفاوز : هي جمع مَفَازة ، الفلاة سُمِّيَتْ مَفَازة ، إمَّا لأنها مهلَكة ، من قولهم : فَوّز الرَّجُل ، أي هلك ، وإمّا تفاؤلاً بالسلامة والفوز ، والرّواية المشهورة . «من مفاوزِ قفار» بالإضافة . وقد روى قوم : «من مفاوزَ» بفتح الزاء ؛ لأنّه لا ينصرف ، ولم يضيفوا ، جعلوا «قفار» صفة . والسحيقة : البعيدة . والمهاوِي : المساقط . والفِجاج : جمع فَجّ ، وهو الطريق بين الجَبَلين .
قوله عليه السلام : «حتّى يهزّوا مناكبهم» ، أي يحرّكهم الشوق نحوه إلى أن يسافروا إليه ، فكنَى عن السَّفر بهزّ المناكب . وذُللاً ، حال إمّا منهم وإمّا من المناكب ، وواحد المناكب ، منكِب بكسر الكاف ، وهو مجمع عظم العَضُد والكتف . و «يهلّلون» ، يقولون : لا إله إلاّ اللّه ، وروي :

1.سورة النساء ۵ .

2.وهو قوله تعالى في سورة البقرة آية ۱۲۵ : «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنا ...» .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 250420
صفحه از 800
پرینت  ارسال به