119
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الصُّدُورِ ، وتَدَابُرِ النُّفُوسِ ، وَتَخَاذُلِ الْأَيْدِي .

الشّرْحُ:

المثُلات : العُقوبات . وذميم الأفعال : ما يذمّ منها . وتفاوت حاليْهم : اختلافهما . وزاحت الأعداء : بعدت . وله ، أي لأجله . والتحاضّ عليها : تفاعل يستدعي وقوعَ الحضّ ، وهو الحثّ من الجهتين ، أي يحثّ بعضهم بعضا . والفِقْرة : واحدة فِقَر الظّهر ، ويقال لمن قد أصابته مصيبة شديدة : قد كُسِرت فِقرته . والمُنّة : القوّة . وتضاغُن القلوب وتشاحنها واحد . وتخاذل لأيدي : ألاّ ينصُر النّاس بعضهم بعضا .

الأصْلُ:

۰.وَتَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ ؛ كَيْفَ كَانُوا فِي حَالِ التَّمْحِيصِ وَالْبَلاَءِ ؛ أَلَمْ يَكُونُوا أَثْقَلَ الْخَلاَئِقِ أَعْبَاءً ، وَأَجْهَدَ الْعِبَادِ بَلاَءً ، وَأَضْيَقَ أَهْلِ الدُّنْيَا حَالاً ؟ اتَّخَذَتْهُمُ الفَراعِنَةُ عَبِيداً فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ، وَجَرَّعُوهُمُ الْمُرَارَ ، فَلَمْ تَبْرَحِ الْحَالُ بِهِمْ فِي ذُلِّ الْهَلَكَةِ وَقَهْرِ الْغَلَبَةِ ، لاَ يَجِدُونَ حِيلَةً فِي امْتِنَاعٍ ، وَلاَ سَبِيلاً إِلَى دِفَاعٍ ، حَتَّى إِذَا رَأَى اللّهُ سُبْحَانَهُ جِدَّ الصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى فِي مَحَبَّتِهِ ، وَالاِحْتَِمالَ لِلْمَكْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ ، جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَايِقِ الْبَلاَءِ فَرَجاً ، فَأَبْدَلَهُمُ الْعِزَّ مَكَانَ الذُّلِّ ، وَالْأَمْنَ مَكَانَ الْخَوْفِ ، فَصَارُوا مُلُوكاً حُكَّاماً ، وأَئِمَّةً أَعْلاَماً ، وَقَدْ بَلَغَتِ الْكَرَامَةُ مِنَ اللّهِ لَهُمْ ؛ مَا لَمْ تَذْهَبِ الاْمَالُ إِلَيْهِ بِهِمْ .

الشّرْحُ:

تدبّروا ، أي تأمّلوا . والَّتمحيص : التطهير والتصفية . والأعباء : الأثقال : واحدها عبْ ء . وأجهد العباد : أتعبهم . والفراعنة : العُتاة ، وكلّ عاتٍ فرعون . وساموهم سوء العذاب : ألزموهم إيّاه ، وهذا إشارة إلى قوله تعالى : «يَسُومُونَكُمْ سُوءَ العَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
118

الشّرْحُ:

قد روي : « تحتمل » بالتاء ، وروي «تحمل» ، والمعنى واحد . والتمويه : التلبيس من مَوَّهت النّحَاس ، إذا طليتَه بالذهب ليخفى . ولاط الشيء بقلبي يلوط ويليط ، أي التصق . والمترَف : الذي أطغته النعمة . وتفاضلت فيها : أي تزايدت . والُمجداء : جمع ماجد ، والمجْد الشرف في الآباء ، والحسب والكرم يكونان في الرَّجل وإن لم يكونا في آبائه . والنُّجداء : الشجعان ، واحدهم نَجِيد ، وأمّا نَجِد ونَجُد ، بالكسر والضم ، فجمعه أنجاد ، مثل يَقِظ وأيقاظ . وبيوتات العرب : قبائلها . ويعاسيب القبائل : رؤساؤها ، واليُعسوب في الأصل : ذكرَ النحل وأميرها . والرغيبة: الخَصْلة يُرغَب فيها. والأحلام: العقول. والأخطار: الأقدار. ثم أمرهم بأن يتعصّبُوا لخلال الحمد وعددها ، وينبغي أن يحمل قوله عليه السلام : «فإنكم تتعصّبون لأمر ما يعرف له سبب ولا علّة» ، على أنّه لا يعرف له سبب مُناسب ، فكيف يمكن أن يتعصّبوا لغير سبب أصلاً!
وقيل : إنّ أصل هذه العصبية ؛ وهذه الخطبة ؛ أنّ أهلَ الكوفة كانوا قد فسدُوا في آخر خلافة أمير المؤمنين ، وكانوا قبائلَ في الكوفة ، فكان الرَّجل يخرج من منازل قبيلته فيمرّ بمنازل قبيلة أُخرى ، فينادِي باسم قبيلته : يا للنَّخَع ! مثلاً ، أو يا لَكِندة ! نداءً عاليا يقصد به الفتنة وإثارة الشرّ ، فيتألَّب عليه فتْيان القبيلة التي مر بها فينادون : يا لَتميم ! ويا لَربيعة ! ويقبلون إلى ذلك الصائح فيضربونه ، فيمضي إلى قبيلته فيستصرخها ، فتُسلّ السيوف وتثور الفِتَن ، ولا يكون لها أصل في الحقيقة إلاّ تعرُّض الفِتْيان بعضهم ببعض .

الأصْلُ:

۰.وَاحْذَرُوا مَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مِنَ الْمَثُلاَتِ بِسُوءِ الْأَفْعَالِ ، وَذَمِيمِ الْأَعْمَالِ فَتَذَكَّرُوا فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ أَحْوَالَهُمْ ، وَاحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ ؛ فَإِذَا تَفَكَّرْتُمْ فِي تَفَاوُتِ حَالَيْهِمْ ، فَالْزَمُوا كُلَّ أَمْرٍ لَزِمَتِ الْعِزَّةُ بِهِ حَالَهُم ، وَزَاحَتِ الأَعْدَاءُ لَهُ عَنْهُمْ ، وَمُدَّتِ الْعَافِيَةُ بِهِ عَلَيْهِمْ ، وَانْقَادَتِ النِّعْمَةُ لَهُ مَعَهُمْ ، وَوَصَلَتِ الْكَرَامَةُ عَلَيْهِ حَبْلَهُمْ ؛ مِنْ الاِْجْتِنَابِ لِلْفُرقَةِ ، وَاللُّزُومِ لِلْأُلْفَةِ ، وَالتَّحَاضِّ عَلَيْهَا ، وَالتَّوَاصِي بِهَا .
وَاجْتَنِبُوا كُلَّ أَمْرٍ كَسَرَ فِقْرَتَهُمْ ، وَأَوْهَنَ مُنَّتَهُمْ ؛ مِنْ تَضَاغُنِ الْقُلُوبِ ، وَتَشَاحُنِ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 250166
صفحه از 800
پرینت  ارسال به