121
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الأصْلُ:

۰.فَاعْتَبِرُوا بِحَالِ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَبَنِي إِسْحَاقَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ ؛ فَمَا أَشَدَّ اعْتِدَالَ الْأَحْوَالِ ، وَأَقْرَبَ اشْتِبَاهَ الْأَمْثَالِ !
تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ فِي حَالِ تَشَتُّـتِهِمْ ، وَتَفَرُّقِهِمْ ، لَيَالِيَ كَانَتِ الْأَكَاسِرَةُ وَالْقَيَاصِرَةُ أَرْبَاباً لَهُمْ ، يَحْتَازُونَهُمْ عَنْ رِيفِ الاْفَاقِ ، وَبَحْرِ الْعِرَاقِ ، وَخُضْرَةِ الدُّنْيَا ، إِلَى مَنَابِتِ الشِّيحِ ، وَمَهَافِي الرِّيحِ ، وَنَكَدِ الْمَعَاشِ ، فَتَرَكُوهُمْ عَالَةً مَسَاكِينَ ، إِخْوَانَ دَبَرٍ وَوَبَرٍ . أَذَلَّ الْأُمَمِ دَاراً ، وَأَجْدَبَهُمْ قَرَاراً ، لاَ يَأْوُونَ إِلَى جَنَاحِ دَعْوَةٍ يَعْتَصِمُونَ بِهَا ، وَلاَ إِلَى ظِلِّ أُ لْفَةٍ يَعْتَمِدُونَ عَلَى عِزِّهَا ؛ فَالْأَحْوَالُ مُضْطَرِبَةٌ ، وَالْأَيْدِي مُخْتَلِفَةٌ ، وَالْكَثْرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ ، فِي بَلاَءِ أَزْلٍ ، وَأَطْبَاقِ جَهْلٍ ، مِنْ بَنَاتٍ مَوْءُدَةٍ ، وَأَصْنَامٍ مَعْبُودَةٍ ، وَأَرْحَامٍ مَقْطُوعَةٍ ، وَغَارَاتٍ مَشْنُونَةٍ .

الشّرْحُ:

قوله عليه السلام : «فما أشدّ اعتدال الأحوال !» ، أي ما أشبه الأشياء بعضها ببعض ! وإنّ حالكم لشبيهة بحال أولئك فاعتبروا بهم . قوله : «يحتازونهم عن الريف» يبعدونهم عنه ، والريف : الأرض ذات الخِصْب والزّرع ، والجمع أرياف ؛ ورافت الماشية أي رعت الرِّيف ، وقد أرفنا أيْ صرنا إلى الريف ، وأرافت الأرض أي أخصبت ، وهي أرض ريِّفة ، بتشديد الياء .
وبحر العِراق : دجلة والفرات ، أمّا الأكاسرة فطردُوهم عن بَحْر العراق ، وأمّا القياصرة فطردُوهم عن ريف الآفاق ، أي عن الشام وما فيه من المرعى والمنتجَع .
قوله عليه السلام : «أربابا لهم» ، أي ملوكا ، وكانت العرب تسمِّي الأكاسرة أربابا ، ولمّا عظم أمر حُذَيفة بن بدر عندهم سمّوه ربَّ مَعَدّ .
ومنابت الشِّيح : أرض العرب ، والشِّيحُ : نَبْت معروف . ومَهافِي الريح : المواضع التي تهفو فيها ، أي تهِبّ وهي الفيافي والصحاري . ونكَد المعاش : ضيقه وقلّته . وتركوهم عالَةً ، أي فقراء ، جمع عائل ، والعائل ذو العَيْلة والعَيْلة : الفقر ، قال تعالى : «وَإنْ خِفْتُمْ عَيْلةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُم اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ»۱ ، نظيره قائد وقادة ، وسائس وساسة .

1.سورة التوبة ۲۸ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
120

وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ» 1 .
والمُرار : بضمّ الميم : شجر مُرٌّ في الأصل ، واستعير شرب المُرار لكلّ مَنْ يلقَى شديد المشقّة . ورأى اللّه منهم جدّ الصبر ، أي أشدّه . وأئمة أعلاماً ، أي يُهتدَى بهم ، كالعَلم في الفَلاَة .

الأصْلُ:

۰.فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانُوا حَيْثُ كَانَتِ الْأَمْلاَءُ مُجْتَمِعَةً ، وَالْأَهْوَاءُ مُؤْتَلِفَةً ، وَالْقُلُوبُ مُعْتَدِلَةً ، وَالْأَيْدِي مُتَرَادِفَةً ، وَالسُّيُوفُ مُتَنَاصِرَةً ، وَالْبَصَائِرُ نَافِذَةً ، وَالْعَزَائِمُ وَاحِدَةً .
أَلَمْ يَكُونُوا أَرْبَاباً فِي أَقْطَارِ الْأَرَضِينَ ، وَمُلُوكاً عَلَى رِقَابِ الْعَالَمِينَ !
فَانْظُرُوا إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ فِي آخِرِ أُمُورِهِمْ ، حِينَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ ، وَتَشَ الْأُلْفَةُ ، وَاخْتَلَفَتِ الْكَلِمَةُ وَالْأَفْئِدَةُ ؛ وَتَشَعَّبُوا مُخْتَلِفِينَ ، وَتَفَرَّقُوا مُتَحَارِبِينَ ، قَدْ خَلَعَ اللّهُ عَنْهُمْ لِبَاسَ كَرَامَتِهِ ، وَسَلَبَهُمْ غَضَارَةَ نِعْمَتِهِ ، وَبَقِيَ قَصَصُ أَخْبَارِهِمْ فِيكُمْ عِبَراً لِلْمُعْتَبِرِينَ منْكُمْ .

الشّرْحُ:

الأملاء : الجماعات ، الواحد ملَأ . ومترادفة : متعاونة . البصائر نافذة ، يقال : نفذت بصيرتي في هذا الخَبر ، أي اجتمع همّي عليه ، ولم يبق عندي تردّد فيه ، لعلمي به وتحقيقي إياه . وأقطار الأرَضين : نواحيها ، وتش : تفرَّقت . وتشعّبوا : صاروا شُعوباً وقبائل مختلفين . وتفرّقوا متحزّبين : اختلفوا أحزابا ، وروي : «متحازبين» . وغضارة النّعمة : الطيِّب الليِّن منها . والقَصَصُ : الحديث .
يقول : انظروا في أخبار مَنْ قبلكم من الأُمم ، كيف كانت حالهم في العزّ والمُلْك لمّا كانت كلمتُهم واحدة ، وإلى ماذا آلتْ حالهم حين اختلفت كلمتُهم ! فاحذروا أن تكونوا مثلَهم ، وأن يحلّ بكم إن اختلفتم مثل ما حلّ بهم .

1.سورة البقرة ۴۹ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 250147
صفحه از 800
پرینت  ارسال به