وقوله : «إخْوانَ دَبَر ووَبَر» ، الدّبر مصدر دَبِر البعيرُ ، أي عقره القَتَب . والوبَر للبعير بمنزلة الصوف للضأن والشعر للمعز . قوله : «أذلّ الأمم دارا» ؛ لعدَم المعاقل والحصون المنيعة فيها . وأجدبهم قراراً ، لعدم الزَّرع والشجر والنخل بها . والجدْب : المحْل . ولا يأوون : لا يلتجئون ولا ينضمّون . والأزْل : الضِّيق . وأطباق جهل : جمع طَبَق ، أي جَهْل متراكم بعضُه فوق بعض ، وغارات مشنونة : مفرّقة ، وهي أصعب الغارات .
الأصْلُ:
۰.فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاقِعِ نِعَمِ اللّهِ عَلَيْهِمْ حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولاً ، فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ ، وَجَمَعَ عَلَى دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ ؛ كَيْفَ نَشَرَتِ النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ جَنَاحَ كَرَامَتِهَا ، وَأَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِيمِهَا ، وَالْتَفَّتِ الْمِلَّةُ بِهِمْ فِي عَوَائِدِ بَرَكَتِهَا ، فَأَصْبَحُوا فِي نِعْمَتِهَا غَرِقِينَ ، وَفِي خُضْرَةِ عَيْشِهَا فَاكِهِينَ ؛ قَدْ تَرَبَّعَتِ الْأُمُورُ بِهِمْ ، فِي ظِلِّ سُلْطَانٍ قَاهِرٍ ، وَآوَتْهُمُ الْحَالُ إِلَى كَنَفِ عِزٍّ غَالِبٍ ، وَتَعَطَّفَتِ الْأُمُورُ عَلَيْهِمْ فِي ذُرَى مُلْكٍ ثَابِتٍ ؛ فَهُمْ حُكَّامٌ عَلَى الْعَالَمِينَ ، وَمُلُوكٌ فِي أَطْرَافِ الْأَرَضِينَ ، يَمْلِكُونَ الْأُمُورَ عَلَى مَنْ كَانَ يَمْلِكُهَا عَلَيْهِمْ ، وَيُمْضُونَ الْأَحْكَامَ فِيمَنْ كَانَ يُمْضِيهَا فِيهِمْ ، لاَ تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاةٌ ، وَلاَ تُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاةٌ .
الشّرْحُ:
لمّا ذكر ما كانت العرب عليه من الذلّ والضَّيْم والجهل ، عاد فذكر ما أبدل اللّه به حالهم ، حين بعث إليهم محمداً صلى الله عليه و آله وسلم ، فعقد عليهم طاعتهم كالشيء المنتشر المحلول ، فعقدها بملّة محمد صلى الله عليه و آله وسلم .
والجداول : الأنهرُ . والتفّت الملة بهم ، أي كانوا متفرّقين فالتفّت ملّة محمّد بهم ، أي جمعتهم ، ويقال : التفّ الحبل بالحَطَب ، أي جمعه ، والتفّ الحطب بالحبل ، أي اجتمع به .
و «في» في قوله : «في عوائد بركتها» متعلّقة بمحذوف ؛ وموضع الجار والمجرور نصب على الحال ، أي جمعتهم الملة كائنةً في عوائد بركتها ، والعوائد : جمع عائدة ، وهي المنفعة .