123
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

تقول : هذا أعْوَدُ عليك ، أي أنفع لك . وروي : «والتقت الملة » بالقاف ، أي اجتمعت بهم ، من اللقاء . والرواية الأُولى أصحّ .
وأصبحوا في نعمتها غرِقين ، مبالغة في وصف ما هم فيه من النعمة . وفاكهين : ناعمين . وروي «فكهين» أي أشِرين وقد قرئ بهما في قوله تعالى: «وَنَعْمَةٍ كانوا فِيهَا فَاكِهِينَ»۱ ، وقال الأصمعيّ : فاكهين : مازحين ، والمفاكهة : الممازحة ، ومن أمثالهم : «لا تفاكِهْ أمَة ، ولا تَبُلْ عَلَى أكمة» ؛ فأما قوله تعالى : «فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُون»۲ ، فقيل : تندمون ، وقيل : تعجبون .
و «عن» في قوله : «وعن خضرة عيشها» ، متعلّقة بمحذوف ، تقديره : فأصبَحوا فاكهين فكاهة صادرة عن خضرة عيشها ، أي خضرة عيش النعمة سبب لصدور الفكاهة والمُزاح عنه . وتربّعت الأُمور بهم ، أي أقامت ، من قولك . رَبَع بالمكان ، أي أقام به . وآوتهم الحال ؛ بالمدّ أي ضمتهم وأنزلتهم ، قال تعالى : «آوَى إليه أخَاهُ»۳ ، أي ضمّه إليه وأنزله ، ويجوز «أوتهم» بغير مدّ . أفعلت في هذا المعنى وفعلت واحد ؛ عن أبي زيد . والكنَف : الجانب . وتعطّفت الأُمور عليهم : كناية عن السيادة والإقبال ، يقال : قد تعطّف الدّهر على فلان ، أي أقبل حظُّه وسعادته ، بعد أنْ لم يكن كذلك .
وفي ذُرَى مُلْكٍ : بضم الذال أي في أعاليه ، جمع ذروة ، ويكنى عن العزيز الذي لا يُضام ، فيقال : لا يغمز له قناة ، أي هو صلب . والقناة إذا لم تلِن في يد الغامز كانتْ أبعدَ عن الحطم والكَسْر . ولا تُقْرع لهم صفاة ؛ مثَل يضرب لمن لا يطمع في جانبه لعزّته وقوّته .

الأصْلُ:

۰.أَلاَ وَإِنَّكُمْ قَدْ نَفَضْتُمْ أَيْدِيَكُمْ مِنْ حَبْلِ الطَّاعَةِ ، وَثَلَمْتُمْ حِصْنَ اللّهِ الْمَضْرُوبَ عَلَيْكُمْ ، بَأَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَإِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ امْتَنَّ عَلَى جَمَاعَةِ هذِهِ الْأُمَّةِ ؛ فِيَما عَقَدَ بَيْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هذِهِ الْأُلْفَةِ الَّتِي يَنْقَلبُونَ فِي ظِلِّهَا ، وَيَأْوُونَ إِلَى كَنَفِهَا ، بِنِعْمَةٍ لاَ يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ لَهَا قِيمَةً ، لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ كُلِّ ثَمَنٍ ، وَأَجَلُّ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ .

1.سورة الدخان ۲۷.

2.سورة الواقعة ۶۵ .

3.سورة يوسف ۶۹ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
122

وقوله : «إخْوانَ دَبَر ووَبَر» ، الدّبر مصدر دَبِر البعيرُ ، أي عقره القَتَب . والوبَر للبعير بمنزلة الصوف للضأن والشعر للمعز . قوله : «أذلّ الأمم دارا» ؛ لعدَم المعاقل والحصون المنيعة فيها . وأجدبهم قراراً ، لعدم الزَّرع والشجر والنخل بها . والجدْب : المحْل . ولا يأوون : لا يلتجئون ولا ينضمّون . والأزْل : الضِّيق . وأطباق جهل : جمع طَبَق ، أي جَهْل متراكم بعضُه فوق بعض ، وغارات مشنونة : مفرّقة ، وهي أصعب الغارات .

الأصْلُ:

۰.فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاقِعِ نِعَمِ اللّهِ عَلَيْهِمْ حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولاً ، فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ ، وَجَمَعَ عَلَى دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ ؛ كَيْفَ نَشَرَتِ النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ جَنَاحَ كَرَامَتِهَا ، وَأَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِيمِهَا ، وَالْتَفَّتِ الْمِلَّةُ بِهِمْ فِي عَوَائِدِ بَرَكَتِهَا ، فَأَصْبَحُوا فِي نِعْمَتِهَا غَرِقِينَ ، وَفِي خُضْرَةِ عَيْشِهَا فَاكِهِينَ ؛ قَدْ تَرَبَّعَتِ الْأُمُورُ بِهِمْ ، فِي ظِلِّ سُلْطَانٍ قَاهِرٍ ، وَآوَتْهُمُ الْحَالُ إِلَى كَنَفِ عِزٍّ غَالِبٍ ، وَتَعَطَّفَتِ الْأُمُورُ عَلَيْهِمْ فِي ذُرَى مُلْكٍ ثَابِتٍ ؛ فَهُمْ حُكَّامٌ عَلَى الْعَالَمِينَ ، وَمُلُوكٌ فِي أَطْرَافِ الْأَرَضِينَ ، يَمْلِكُونَ الْأُمُورَ عَلَى مَنْ كَانَ يَمْلِكُهَا عَلَيْهِمْ ، وَيُمْضُونَ الْأَحْكَامَ فِيمَنْ كَانَ يُمْضِيهَا فِيهِمْ ، لاَ تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاةٌ ، وَلاَ تُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاةٌ .

الشّرْحُ:

لمّا ذكر ما كانت العرب عليه من الذلّ والضَّيْم والجهل ، عاد فذكر ما أبدل اللّه به حالهم ، حين بعث إليهم محمداً صلى الله عليه و آله وسلم ، فعقد عليهم طاعتهم كالشيء المنتشر المحلول ، فعقدها بملّة محمد صلى الله عليه و آله وسلم .
والجداول : الأنهرُ . والتفّت الملة بهم ، أي كانوا متفرّقين فالتفّت ملّة محمّد بهم ، أي جمعتهم ، ويقال : التفّ الحبل بالحَطَب ، أي جمعه ، والتفّ الحطب بالحبل ، أي اجتمع به .
و «في» في قوله : «في عوائد بركتها» متعلّقة بمحذوف ؛ وموضع الجار والمجرور نصب على الحال ، أي جمعتهم الملة كائنةً في عوائد بركتها ، والعوائد : جمع عائدة ، وهي المنفعة .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 249929
صفحه از 800
پرینت  ارسال به