قوله : «صرتم بعد الهجرة أعرابا» ؛ الأعراب على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلممَنْ آمن به من أهل البادية ، ولم يهاجر إليه ، وهم ناقصوا المرتبة عن المهاجرين لجفائهم وقسوتهم وتوحّشهم ، ونشئهم في بُعْدٍ من مخالطة العلماء ، وسماع كلام الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ، وفيهم أُنزل : «الأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْرا وَنِفَاقا وَأَجْدرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ»۱ .
وروي : «ولا يعقلون من الإيمان» . وقولهم : «النارَ ولا العارَ» ، منصوبتان بإضمار فعل ، أي ادخلوا النار ولا تلتزموا العار ، وهي كلمة جارية مجرى المثل أيضا ، يقولها أرباب الحميّة والإباء ، فإذا قيلت في حقٍّ كانت صواباً ، وإذا قيلت في باطل كانت خطأ .
وأكفأت الإناء وكفأته : لغتان ، أي كببتُه . قوله : «ثم لا جبرائيلَ ولا ميكائيلَ ولا مهاجرين» ، الرواية المشهورة هكذا بالنصب ، وهو جائز على التشبيه بالنّكرة ، كقولهم : معضلة ولا أبا حسن لها . وقد روي بالرفع في الجميع . والمقارعة منصوبة على المصدر ، وقد روي : «إلاّ المقارعةُ» بالرفع ، تقديره : ولا نصير لكم بوجه من الوجوه إلاّ المقارعة .
والأمثال التي أشار إليها أمير المؤمنين عليه السلام هي ما تضمّنه القرآن من أيام اللّه ونقماته على أعدائه ، وقال تعالى : «وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ»۲ . والتناهي : مصدر تناهي القوم عن كذا ، أي نهى بعضهم بعضا ، يقول : لعن اللّه الماضين من قبلكم ؛ لأنّ سُفَهاءهم ارتكبُوا المعصية ، وحلماءهم لم ينهوهم عنها ، وهذا من قوله تعالى : «كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلونَ»۳ .
الأصْلُ:
۰.أَلاَ وَقَدْ قَطَعْتُمْ قَيْدَ الاْءِسْلاَمِ ، وَعَطَّلْتُمْ حُدُودَهُ ، وَأَمَتُّمْ أَحْكَامَهُ .
أَلاَ وَقَدْ أَمَرَنِي اللّهُ بِقِتَالِ أَهْلِ الْبَغْي وَالنَّكْثِ وَالْفَسَادِ فِي الَأَرْضِ ، فَأَمَّا النَّاكِثُونَ فَقَدْ قَاتَلْتُ ، وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَقَدْ جَاهَدْتُ ، وَأَمَّا الْمَارِقَةُ فَقَدْ دَوَّخْتُ ، وَأَمَّا شَيْطَانُ الرَّدْهَةِ فَقَدْ كُفِيتُهُ بِصَعْقَةٍ سُمِعَتْ لَهَا وَجْبَةُ قَلْبِهِ ، وَرَجَّةُ صَدْرِهِ ، وَبَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ أَهْلِ