125
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

قوله : «صرتم بعد الهجرة أعرابا» ؛ الأعراب على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلممَنْ آمن به من أهل البادية ، ولم يهاجر إليه ، وهم ناقصوا المرتبة عن المهاجرين لجفائهم وقسوتهم وتوحّشهم ، ونشئهم في بُعْدٍ من مخالطة العلماء ، وسماع كلام الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ، وفيهم أُنزل : «الأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْرا وَنِفَاقا وَأَجْدرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ»۱ .
وروي : «ولا يعقلون من الإيمان» . وقولهم : «النارَ ولا العارَ» ، منصوبتان بإضمار فعل ، أي ادخلوا النار ولا تلتزموا العار ، وهي كلمة جارية مجرى المثل أيضا ، يقولها أرباب الحميّة والإباء ، فإذا قيلت في حقٍّ كانت صواباً ، وإذا قيلت في باطل كانت خطأ .
وأكفأت الإناء وكفأته : لغتان ، أي كببتُه . قوله : «ثم لا جبرائيلَ ولا ميكائيلَ ولا مهاجرين» ، الرواية المشهورة هكذا بالنصب ، وهو جائز على التشبيه بالنّكرة ، كقولهم : معضلة ولا أبا حسن لها . وقد روي بالرفع في الجميع . والمقارعة منصوبة على المصدر ، وقد روي : «إلاّ المقارعةُ» بالرفع ، تقديره : ولا نصير لكم بوجه من الوجوه إلاّ المقارعة .
والأمثال التي أشار إليها أمير المؤمنين عليه السلام هي ما تضمّنه القرآن من أيام اللّه ونقماته على أعدائه ، وقال تعالى : «وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ»۲ . والتناهي : مصدر تناهي القوم عن كذا ، أي نهى بعضهم بعضا ، يقول : لعن اللّه الماضين من قبلكم ؛ لأنّ سُفَهاءهم ارتكبُوا المعصية ، وحلماءهم لم ينهوهم عنها ، وهذا من قوله تعالى : «كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلونَ»۳ .

الأصْلُ:

۰.أَلاَ وَقَدْ قَطَعْتُمْ قَيْدَ الاْءِسْلاَمِ ، وَعَطَّلْتُمْ حُدُودَهُ ، وَأَمَتُّمْ أَحْكَامَهُ .
أَلاَ وَقَدْ أَمَرَنِي اللّهُ بِقِتَالِ أَهْلِ الْبَغْي وَالنَّكْثِ وَالْفَسَادِ فِي الَأَرْضِ ، فَأَمَّا النَّاكِثُونَ فَقَدْ قَاتَلْتُ ، وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَقَدْ جَاهَدْتُ ، وَأَمَّا الْمَارِقَةُ فَقَدْ دَوَّخْتُ ، وَأَمَّا شَيْطَانُ الرَّدْهَةِ فَقَدْ كُفِيتُهُ بِصَعْقَةٍ سُمِعَتْ لَهَا وَجْبَةُ قَلْبِهِ ، وَرَجَّةُ صَدْرِهِ ، وَبَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ أَهْلِ

1.سورة التوبة ۹۷ .

2.سورة إبراهيم ۴۵ .

3.سورة المائدة ۷۹ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
124

وَاعْلَمُوا أَ نَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَعْرَاباً ، وَبَعْدَ الْمُوَلاَةِ أَحْزَاباً ، مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ الاْءِسْلاَمِ إِلاَّ بِاسْمِهِ ، وَلاَ تَعْرِفُونَ مِنَ الاْءِيمَانِ إِلاَّ رَسْمَهُ ، تَقُولُونَ : النَّارَ وَلاَ الْعَارَ ! كَأَ نَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُكْفِئُوا الاْءِسْلاَمَ عَلَى وَجْهِهِ انْتِهَاكاً لِحَرِيمِهِ ، وَنَقْضاً لِمِيثَاقِهِ الَّذِي وَضَعَهُ اللّهُ لَكُمْ حَرَماً فِي أَرْضِهِ ، وَأَمْناً بَيْنَ خَلْقِهِ .
وإِنَّكُمْ إِنْ لَجَأْتُمْ إِلَى غَيْرِهِ حَارَبَكُمْ أَهْلُ الْكُفْرِ ، ثُمَّ لاَ جَبْرَائِيلُ وَلاَ مِيكَائِيلُ وَلاَ مُهَاجِرُونَ وَلاَ أَنْصَارٌ يَنْصُرُونَكُمْ ، إِلاَّ الْمُقَارَعَةَ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَكُمْ .
وَإِنَّ عِنْدَكُمُ الْأَمْثَالَ مِنْ بَأْسِ اللّهِ وَقَوَارِعِهِ ، وَأَيَّامِهِ وَوَقَائِعِهِ ، فَلاَ تَسْتَبْطِئُوا وَعِيدَهُ جَهْلاً بَأَخْذِهِ ، وَتَهَاوُناً بِبَطْشِهِ ، وَيَأْساً مِنْ بَأْسِهِ ؛ فَإِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَلْعَنِ الْقَرْنَ الْمَاضِيَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ إِلاَّ لِتَرْكِهِمُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ ، فَلَعَنَ اللّهُ السُّفَهَاءَ لِرُكُوبِ الْمَعَاصِي وَالْحُلَمَاءَ لِتَرْكِ الْتَّنَاهِي !

الشّرْحُ:

نفضتم أيديكم : كلمة تقال في اطّراح الشيء وتركه ، وهي أبلغ من أن تقول : تركتم حبلَ الطاعة ؛ لأنّ مَنْ يخلي الشيء من يده ثم ينفض يده منه يكون أشدّ تخلية له ممّن لا ينفضها . بل ، يقتصر على تخليته فقط ؛ لأنّ نفضها إشعار وإيذان بشدّة الاطّراح والإعراض .
والباء في قوله . «بأحكام الجاهليّة» متعلقة بـ «ثلمتُم» ، أي ثلمتم حصن اللّه بأحكام الجاهلية التي حكمتم بها في ملَّة الإسلام .
والباء في قوله : «بنعمة لا يَعْرِف» ، متعلقة بـ «امتنّ» . و «في» من قوله « فيما عقد» متعلّقة بمحذوف ، وموضعها نصب على الحال ، وهذا إشارة إلى قوله تعالى : «لَوْ أنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعا مَا ألَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنّ اللّهُ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ»۱ . وقوله : «فأَصْبَحْتُمْ بِنِعمَتِهِ إخْوَانا»۲ . وروي : «تتقلّبون في ظلها» .

1.سورة الأنفال ۶۳ .

2.سورة آل عمران ۱۰۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 249888
صفحه از 800
پرینت  ارسال به