الأصْلُ:
۰.أَنَا وَضَعْتُ بَكَلاَكِلِ الْعَرَبِ ، وَكَسَرْتُ نَوَاجِمَ قُرُونِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ . وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ ، وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وليدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ ؛ وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ ، وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ ، وَلاَ خَطْلَةً فِي فِعْلٍ .
وَلَقَدْ قَرَنَ اللّهُ بِهِ صلى الله عليه و آله وسلم مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ ، يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ ، وَمَحَاسِنَ أَخْلاَقِ الْعَالَمِ ، لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ .
وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ ، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاَقِهِ عَلَماً ، وَيَأْمُرُنِي بِالاِقْتِدَاءِ بِهِ ، وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَة بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ ، وَلاَ يَرَاهُ غَيْرِي ، وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الاْءِسْلاَمِ غَيْرَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا . أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ ، وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ .
وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ صلى الله عليه و آله وسلم فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، مَا هذِهِ الرَّنَّةُ ؟ فَقَالَ : هذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ . إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ ، وَتَرَى مَا أَرَى ، إِلاَّ أَ نَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ ، وَلكِنَّكَ لَوَزِيرٌ ، وَإِنَّكَ لَعَلَى خُبْرٍ .
الشّرْحُ:
الباء في قوله : «بكلا كل العرب» زائدة . والكلا كل : الصُّدور ، الواحد كَلْكل ، والمعنى أنّى أذللتهم وصرعتهم إلى الأرض . ونواجم قرون ربيعة ومضر : مَنْ نجم منهم وظهر ، وعلا قدرُه ، وطار صيته .
فإن قلت : أمّا قهره لِمُضرَ فمعلوم ، فما حال ربيعة ، ولم نعرف أنه قتل منهم أحدا؟
قلت : بَلى قد قتل بيده وبجيشه كثيرا من رؤسائهم في صِفّين والجمل ، فقد تقدم ذكر أسمائهم من قبل ، وهذه الخطبة خطب بها بعد انقضاء أمر النهروان .