127
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الأصْلُ:

۰.أَنَا وَضَعْتُ بَكَلاَكِلِ الْعَرَبِ ، وَكَسَرْتُ نَوَاجِمَ قُرُونِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ . وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ ، وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وليدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ ؛ وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ ، وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ ، وَلاَ خَطْلَةً فِي فِعْلٍ .
وَلَقَدْ قَرَنَ اللّهُ بِهِ صلى الله عليه و آله وسلم مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ ، يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ ، وَمَحَاسِنَ أَخْلاَقِ الْعَالَمِ ، لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ .
وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ ، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاَقِهِ عَلَماً ، وَيَأْمُرُنِي بِالاِقْتِدَاءِ بِهِ ، وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَة بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ ، وَلاَ يَرَاهُ غَيْرِي ، وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الاْءِسْلاَمِ غَيْرَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا . أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ ، وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ .
وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ صلى الله عليه و آله وسلم فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، مَا هذِهِ الرَّنَّةُ ؟ فَقَالَ : هذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ . إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ ، وَتَرَى مَا أَرَى ، إِلاَّ أَ نَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ ، وَلكِنَّكَ لَوَزِيرٌ ، وَإِنَّكَ لَعَلَى خُبْرٍ .

الشّرْحُ:

الباء في قوله : «بكلا كل العرب» زائدة . والكلا كل : الصُّدور ، الواحد كَلْكل ، والمعنى أنّى أذللتهم وصرعتهم إلى الأرض . ونواجم قرون ربيعة ومضر : مَنْ نجم منهم وظهر ، وعلا قدرُه ، وطار صيته .
فإن قلت : أمّا قهره لِمُضرَ فمعلوم ، فما حال ربيعة ، ولم نعرف أنه قتل منهم أحدا؟
قلت : بَلى قد قتل بيده وبجيشه كثيرا من رؤسائهم في صِفّين والجمل ، فقد تقدم ذكر أسمائهم من قبل ، وهذه الخطبة خطب بها بعد انقضاء أمر النهروان .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
126

الْبَغْيِ ؛ وَلَئِنْ أَذِنَ اللّهُ فِي الْكَرَّةِ عَلَيْهِمْ ، لَأُدِيلَنَّ مِنْهُمْ إِلاَّ مَا يَتَشَذَّرُ فِي أَطْرَافِ الْبِلاَدِ تَشَذُّراً .

الشّرْحُ:

قد ثبت عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال له عليه السلام : «ستقاتلُ بعدِي النَّاكِثين والقاسطين والمارقين» ، فكان النّاكثون أصحابَ الجمل ، لأنّهم نكثوا بيعته عليه السلام ، وكان القاسطون أهلَ الشام بصفّين ، وكان المارقون الخوارج في النَّهروان ، وفي الفرق الثلاث قال اللّه تعالى : «فَمَنْ نَكَثَ فإنَّما يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ»۱ ، وقال : «وَأَمَّا القَاسِطُونَ فَكانُوا لجَهنَّمَ حَطَبا»۲ ، وقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : «يخْرج من ضئْضِئ هذا قوم يمرُقون من الدين كما يمرق السَّهْم من الرميّة ، ينظر أحدكم في النَّصل فلا يجد شيئا ، فينظر في الفُوق ۳ ، فلا يجد شيئا ، سبق الفرث والدم» . وهذا الخبر من أعلام نبوّته صلى الله عليه و آله وسلم ومن أخباره المفصلة بالغيوب .
وأمّا شيطانُ الرَّدْهة ، فقد قال قوم : إنّه ذُو الثُّدَيَّة صاحب النَّهروان ، وروَوْا في ذلك خبراً عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، وممّن ذكر ذلك واختاره الجوْهريّ صاحب « الصحاح» ۴ وهؤلاء يقولون : إن ذا الثُدَيَّة لم يقتَلْ بسيف ، ولكنّ اللّه رماه يوم النّهروان بصاعِقة ، وإليها أشار عليه السلام بقوله : «فقد كُفِيته بصَعْقة سمُعت لها وَجْبَة قلبه » ، والرَّدْهة : شبه نُقْرة في الجَبَل يجتمع فيها الماء ، وهذا مثل قوله عليه السلام : «هذا أزبّ العقبة» ، أيْ شيطانُها ، ولعلّ أزبّ العَقَبة هو شيطان الردْهة بعينه ، فتارة يردُ بهذا اللّفظ ، وتارة يردُ بذلك اللفظ .
قوله : «ويتشذّر في أطراف الأرض» ، يتمزّق ويتبدّد ، ومنه قولهم : ذهبوا شَذَرَ مَذَر . والبقيّة التي بقيَتْ من أهل البغي : مُعاوية وأصحابه ؛ لأنّه عليه السلام لم يكن أتى عليهم بأجمعهم ، وإنما وقفت الحربُ بينه وبينهم بمكيدة التحكيم . «ولئن أذنَ اللّه في الكَرَّة عليهم» ، أي إن مُدّ لي في العمر لأديلنّ منهم ، أي لتكونن الدَّوْلة لي عليهم ، أدلت من فلان أي غلبته وقهرته ، وصرت ذَا دولةٍ عليه .

1.سورة الفتح ۱۰ .

2.سورة الجن ۱۵ .

3.الفوق : مشق رأس السهم حيث يقع الوتر .

4.الصحاح ۸ : ۲۲۳۲ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 249794
صفحه از 800
پرینت  ارسال به