129
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الْأَحْزَابَ . ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه و آله وسلم : يَا أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ ، إِنْ كُنْتِ تُؤمِنِينَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ ، وَتَعْلَمِينَ أَ نِّي رَسُولُ اللّهِ ، فَانْقَلِعِي بعُرُوقِكِ حَتَّى تَقِفِي بَيْنَ يَدَيَّ بِإِذْنِ اللّهِ ؛ وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لاَنْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا ، وَجَاءَتْ وَلَهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ ، وَقَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّيْرِ ؛ حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم ، مُرَفْرِفَةً ، وَأَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الأَعْلَى عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم ، وَبِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَى مَنْكِبِي ، وَكُنْتُ عَنْ يَمِينِهِ صلى الله عليه و آله وسلم ، فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى ذلِكَ قَالُوا ـ عُلُوّاً وَاسْتِكْبَاراً ـ : فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا ؛ وَيَبْقَى نِصْفُهَا ، فَأَمَرَهَا بِذلِكَ ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ نِصْفُهَا كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَأَشَدِّهِ دَوِيّاً ، فَكَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم ، فَقَالُوا ـ كُفْراً وَعُتُوّاً ـ : فَمُرْ هذَا النِّصْفَ فَلْيَرْجِعْ إِلَى نِصْفِهِ كَمَا كَانَ . فَأَمَرَهُ صلى الله عليه و آله وسلم فَرَجَعَ ؛ فَقُلْتُ أَنَا : لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ ؛ إِنِّي أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ ، وَأَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بَأَنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اللّهِ تَعَالَى تَصْدِيقاً بِنُبُوَّتِكَ ؛ وإِجْلاَلاً لِكَلِمَتِكَ . فَقَالَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ : بَلْ سَاحِرٌ كَذَّابٌ ، عَجِيبُ السِّحْرِ خَفِيفٌ فِيهِ ، وَهَلْ يُصَدِّقُكَ فِي أَمْرِكَ إِلاَّ مِثْلُ هذَا ! يَعْنُونَنِي ؛ وَإِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ لاَ تَأْخُذُهُمْ فِي اللّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ ، سِيَماهُمْ سِيمَا الصِّدِّيقِينَ ، وَكَلاَمُهُمْ كَلاَمُ الْأَبْرَارِ ؛ عُمَّارُ اللَّيْلِ ، وَمَنَارُ النَّهَارِ ، مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ ، يُحْيُونَ سُنَنَ اللّهِ وسُنَنَ رَسُولِهِ ، لاَ يَسْتَكْبِرُونَ وَلاَ يَعْلُونَ ؛ وَلاَ يَغُلُّونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ ، قُلُوبُهُمْ فِي الْجِنَانِ ، وَأَجْسَادُهُمْ فِي الْعَمَلِ !

الشّرْحُ:

الملأ الجماعة . ولا تفيئون : لا ترجعون . ومن يُطْرح في القَليب ، كُعتْبة وشَيْبة ابني ربيعة ابن عبد شمس وعمرو بن هشام بن المغيرة ، المكنّى أبا جهل وغيرهم ، طُرِحوا في قَليب بدْربَعد انقضاء الحرْب ، ومن يحزّب الأحزاب ، أبو سفيان صخر بن حرب بن أُميّة . والقَصْف والقصيف : الصوت . وسيماهم : علامتهم ، ومثله «سيمياء» . ومعنى قوله عليه السلام : «قلوبهم في الجنان ، وأجسادهم في العمل» ، أنّ قلوبهم ملتذّة بمعرفة اللّه تعالى وأجسادهم نصِبة بالعبادةِ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
128

والعَرْف بالفتح : الرّيح الطيّبة ، ومضَغ الشيء يمضَغه بفتح الضاد . والخطْلة في الفعل : الخطأ فيه ، وإيقاعه على غير وجهه . وحِراء : اسم جبل بمكّة معروف . والرّنّة : الصوت . والقرابة القريبة بينه وبين رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم دون غيره من الأعمام ، كونه ربّاه في حِجْره ، ثم حامَى عنه ونصَره عند إظهار الدّعوة دونَ غيره من بني هاشم ، ثمّ ما كان بينهما من المُصاهرة التي أفضتْ إلى النّسل الأطْهر دون غيره من الأصهار .
وأمّا حديثُ مجاورته عليه الصلاة والسلام بحِراء فمشهور ، وقد ورد في الكتب الصحاح أنه كان يجاور في حِراء من كلّ سنة شهرا .
وأمّا حديث أنّ الإسلام لم يجتمع عليه بيت واحدٌ يومئذٍ إلاّ النبيّ وهو عليهماالسلاموخديجة ، فخبر عفيف الكنديّ مشهور ، وأنّ أبا طالب قال له : أتدرِي من هذا ؟ قال : لا ، قال : هذا ابنُ أخي محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب ؛ وهذا ابني عليّ بن أبي طالب ، وهذه المرأة خَلْفهما خديجة بنت خويلد ؛ زوجة محمد ابن أخي ، وايمُ اللّه ما أعلم على الأرض كلِّها أحدا على هذا الدّين غير هؤلاء الثلاثة .
وروي عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، قال : كان عليٌّ عليه السلام يَرَى مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمقبلَ الرسالة الضَّوْء ويسمع الصوت ، وقال له صلى الله عليه و آله وسلم : «لولا أني خاتم الأنبياء لكنتَ شريكا في النبوّة ، فإن لا تكن نبيّا فإنّك وصيّ نبيّ ووارثه ، بل أنت سيّد الأوصياء وإمامُ الأتقياء» .

الأصْلُ:

۰.وَلَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ صلى الله عليه و آله وسلم لَمَّا أَتاهُ المَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقَالُوا لَهُ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّكَ قَدِ ادَّعَيْتَ عَظِيماً لَمْ يَدَّعِهِ آبَاؤُكَ ، وَلاَ أَحَدٌ مِن بَيْتِكَ ، وَنَحْنُ نَسْأَ لُكَ أَمْراً إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنَا إِلَيْهِ وَأَرَيْتَنَاهُ ، عَلِمْنَا أَ نَّكَ نَبِيٌّ وَرَسُولٌ ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَ نَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ .
فَقَالَ صلى الله عليه و آله وسلم : وَمَا تَسْأَ لُونَ ؟ قَالُوا : تَدْعُو لَنَا هذِهِ الشَّجَرَةَ ؛ حَتَّى تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا ، وَتَقِفَ بَيْنَ يَدَيْكَ . فَقَالَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ : إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ؛ فإِنْ فَعَلَ اللّهُ لَكُمْ ذلِكَ ، أَتُؤْمِنُونَ وَتَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ ! قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : فَإِنَّي سَأُرِيكُمْ مَا تَطْلُبُونَ ، وإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لاَ تَفِيئُونَ إِلَى خَيْرٍ ، وَإِنَّ فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِي الْقَلِيبِ ، وَمَنْ يُحزِّبُ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213089
صفحه از 800
پرینت  ارسال به