133
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

مبسوطة لكم غير مقبوضة عنكم ، ولا مردودة عليكم إن فعلتم ، كما تردّ على الإنسان توبته إذا احتُضر . والمدبِر يدعَى ، أي مَنْ يدبِر منكم ، ويولِّي عن الخير يُدعَى إليه ، وينَادى : يا فلان أقبل على ما يُصلِحك ! والمسيء يُرجَى ، أي يرجَى عوده وإقلاعه .
قبل أن يجمد العمل ، استعارة مليحة ؛ لأنّ الميت يجمد عمله ويقف ، ويروى : «يخمد» بالخاء ، من خمدت النار ، والأول أحسن . وينقطع المهَل ، أي العمر الذي أمهلتم فيه . وتصعد الملائكة؛ لأنّ الإنسان عند موته تصعد حفَظته إلى السماء؛ لأنّه لم يبق لهم شغل في الأرض.
قوله : «فأخذ امرؤ» ماض يقوم مقام الأمر ، وقد تقدّم شرحُ ذلك ، والمعنى أنّ مَنْ يصوم ويصلّي فإنّما يأخذ بعض قوّة نفسه مما يلقَى من المشقة . لنفسه ، أي عُدّة وذخيرة لنفسه يوم القيامة ، وكذلك مَنْ يتصدّق ، فإنه يأخذ من ماله ، وهو جار مجرى نفسه لنفسه .
وأخذ من حيّ لميت ، أي من حال الحياة لحال الموت ، ولو قال : من ميت لحيّ ، كان جيّدا أيضا ؛ لأنّ الحيّ في الدّنيا ليس بحيّ على الحقيقة ، وإنّما الحياة حياة الآخرة ، كما قال اللّه تعالى : «وَإنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوانُ»۱ . وروي : «أمسكها بلجامها» بغير فاء .

242

الأصْلُ:

۰.ومن خطبة له عليه السلام في شأن الحكمين وذم أهل الشامجُفَاةٌ طَغَامٌ ، عَبِيدٌ أَقْزَامٌ ، جُمِعُوا مِنْ كُلِّ أَوْبٍ ، وَتُلُقِّطُوا مِنْ كُلِّ شَوْبٍ ، مِمَّنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفَقَّهَ وَيُؤَدَّبَ ، وَيُعَلَّمَ وَيُدَرَّبَ ، وَيُوَلَّى عَلَيْهِ ، وَيُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهِ . لَيْسُوا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَلاَ مِنَ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالاْءِيمَانَ .
أَلاَ وَإِنَّ الْقَوْمَ اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا يُحِبُّونَ ، وَإِنَّكُمُ اخْتَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تَكْرَهُونَ . وَإِنَّمَا عَهْدُكُمْ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ قَيْس ، بِالْأَمْس يَقُولُ : إِنَّهَا فِتْنَةٌ ،

1.سورة العنكبوت ۶۴ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
132

الشّرْحُ:

العَرْج : منزل بين مكّة والمدينة ، إليه ينسب العَرْجيّ الشاعر ، وهو عبد اللّه بن عمرو .
قال محمد بن إسحاق في كتاب «المغازي» : لم يُعلِمْ رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أحدا من المسلمين ما كان عزم عليه من الهِجْرة إلاّ عليّ بن أبي طالب وأبا بكرِ بن أبي قحافة ، أمّا عليّ ، فإنّ رسولَ اللّه صلى الله عليه و آله وسلمأخبرَه بخروجه ، وأمره أن يبيتَ على فراشه ، يُخادِع المشركين عنه ليروْا أنه لم يبرحْ فلا يطلبوه ، حتى تبعُد المسافة بينهم وبينه ، وأنْ يتخلّف بعده بمكّة حتّى يؤدِّيَ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمالودائع الّتِي عنده للناس ، وكان رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم استودَعه رجالٌ من مكّة ودائعَ لهم ، لما يعرفونه من أمانته ، وأمّا أبو بكر فخرج معه .

241

الأصْلُ:

۰.ومن خطبة له عليه السلامفَاعْمَلُوا وَأَنْتُمْ فِي نَفَس الْبَقَاءِ ، وَالصُّحُفُ مَنْشُورَةٌ ، وَالتَّوْبَةُ مَبْسُوطَةٌ ، وَالْمُدْبِرُ يُدْعَى ، وَالْمُسِيءُ يُرْجَى ، قَبْلَ أَنْ يَجْمُدَ الْعَمَلُ ، وَيَنَقَطِعَ الْمَهَلُ وَتَنْقَضِيَ المُدّةُ ، وَيُسَدَّ بَابُ التَّوْبَةِ ، وَتَصْعَدَ الْمَلاَئِكَةُ. فَأَخَذَ امْرُؤٌ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ ، وَأَخَذَ مِنْ حَيٍّ لِمَيِّتٍ ، وَمِنْ فَانٍ لِبَاقٍ ، وَمِنْ ذَاهِبٍ لِدَائِمٍ ، امْرُؤٌ خَافَ اللّهَ . وَهُوَ مَّعَمَّرٌ إِلَى أَجَلِهِ ، وَمَنْظُورٌ إِلَى عَمَلِهِ ، امْرُؤٌ أَلْجَمَ نَفْسَهُ بِلِجَامِهَا ، وَزَمَّهَا بِزِمَامِهَا ، فأَمْسَكَهَا بِلِجَامِهَا عَنْ مَعَاصِي اللّهِ ، وَقَادَهَا بِزِمَامِهَا إِلَى طَاعَةِ اللّهِ .

الشّرْحُ:

في نفَس البقاء ، بفتح الفاء ، أي في سعته ، تقول : أنت في نَفَسٍ من أمرك ، أي في سَعَة . والصحف منشورة ، أي وأنتم بعد أحياء ؛ لأنّه لا تطوى صحيفة الإنسان إلاّ إذا مات . والتوبة

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213010
صفحه از 800
پرینت  ارسال به