149
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ للّهِ رِضىً ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْ بِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ ، فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَوَلاَّهُ اللّهُ مَا تَوَلَّى .
وَلَعَمْرِي ، يَا مُعَاوِيَةُ ، لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ ، لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاس مِنْ دَمِ عُثْمانَ ، وَلَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كَنْتُ فِي عُزْلَةٍ عَنْهُ إِلاَّ أَنْ تَتَجَنَّى ؛ فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ ! وَالسَّلاَمُ .

الشّرْحُ:

قد تقدّم ذكرُ هذا الكلام في أثناء اقتصاص مراسلة أمير المؤمنين عليه السلام معاويةَ بجرير بن عبد اللّه البَجَلِيّ ، وقد ذكره أرباب السّيرة كلُّهم ۱ ، وأول الكتاب :
«أما بعد ، فإن بيعتي بالمدينة لزمتْك وأنت بالشام ؛ لأنّه بايعني القومُ الّذين بايعوا ..» إلى آخر الفصل .
والمشهور المرويّ : «فإن خرج من أمرهم خارجٌ بطعن أو رغبة» ، أي رغبة عن ذلك الإمام الذي وقع الاختيار له .
والمرويّ بعد قوله : «ولاّه اللّه بعدما تولّى» ، «وأصلاه جهنّمَ وساءت مصيراً ، وإنّ طلحةَ والزُّبَيرَ بايعاني ثم نَقضَا بَيْعتي ، فكان نقضُهما كرِدّتهما ، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحقُّ وظهر أمر اللّه وهم كارهون . فادخل فيما دخلَ فيه المسلمون ، فإنّ أحبّ الأُمور إليّ فيك العافية ، إلاّ أن تتعرّض للبلاء ، فإن تعرّضْتَ له قاتلتك ، واستعنت باللّه عليك ، وقد أكثرتَ في قتلة عثمان ، فادخل فيما دخل النّاسُ فيه ، ثم حاكم القوم إليّ أَحمِلْك وإيّاهم على كتاب اللّه ، فأمّا تلك الّتِي تريدها فخدْعة الصبيّ عن اللّبن ، ولعمري يا معاوية إن نظرت بعقلك ... » إلى آخر الكلام . وبعده : « واعلم أنّك من الطُّلقاء الذين لا تحلّ لهم الخلافة ، ولا تعترض بهم الشورى ، وقد أرسلتُ إليك جريرَ بن عبد اللّه البَجَليّ ، وهو من أهل الإيمان والهجرة ، فبايع ولا قوة إلاّ باللّه » .

1.ذكره ابن أبي الحديد في شرحه : ۳:۷۵ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
148

فلان على فلان ، إذا فعل بغير إذنِهِ ما سبيلُه أن يستأذنَه فيه ، وأصلُه من الفَوْت وهو السَّبْق ، كأنّه سبقه إلى ذلك الأمر .
وقوله : «ولا تخاطرْ إلاّ بوثيقةٍ» ، أي لا تُقدِم على أمرٍ مَخوفٍ فيما يتعلّق بالمال الذي تتولاّه إلاّ بعد أن تتوثَّق لنفسك ، يقال : أخذ فلان بالوثيقة في أمره ، أي احتاط . ثم قال له : « ولعلّي لا أكون شرَّ ولاتِك» ، وهو كلام يطيِّب به نفسَه ويسكِّن به جأشَه ؛ لأنّ في أوّل الكلام إيحاشاً له ، إذ كانت ألفاظه تدلّ على أنّه لم يره أميناً على المال ، فاستدرك ذلك بالكلمة الأخيرة ، أي ربّما تحمد خلافتي وولايتي عليك ، وتصادف منّي إحسانا إليك ، أي عسى ألاّ يكون شكرُك لعثمان ومَنْ قبله أكثَر من شكرك لي ، وهذا من باب وعدك الخفيّ ، وتسمّيه العرب المَلْث .
وأول هذا الكتاب :
«من عبد اللّه عليٍّ أميرِ المؤمنين إلى الأشعث بن قيس . أمّا بعدُ ، فلولا هَنات وهَنات كانت منك ، كنت المقدّم في هذا الأمر قبل الناس ، ولعلّ أمراً كان يحمل بعضه بعضا إن اتّقيت اللّه عزّ وجلّ ، وقد كان من بيعة النّاس إيّاي ما قد علمت ، وكان من أمر طلحة والزبير ما قد بلغكَ ، فخرجت إليهما ، فأبلغت في الدّعاء ، وأحسنت في البقيّة ، وإن عملك ليس لك بطعمة ... » ، إلى آخر الكلام ، وهذا الكتاب كتبه إلى الأشعث بن قيس بعد انقضاء الجمل .
وقد ذكرنا نسب الأشعث فيما مضى .

6

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى معاويةإِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثَْمانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ ، وَإِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، فَإِنِ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 212941
صفحه از 800
پرینت  ارسال به