155
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

بِحِلْفٍ يَمْنَعُهُ ، أَوْ عَشِيرَةٍ تَقُومُ دُونَهُ ، فَهُوَ مِنَ الْقَتْلِ بِمَكَانِ أَمْنٍ .
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ ، وَأَحْجَمَ النَّاسُ ، قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصَحَابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ وَالْأَسِنَّةِ ، فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَقُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَقُتِلَ جَعْفَرٌ يَوْمَ مُؤْتَةَ . وَأَرَادَ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَكَرْتُ اسْمَهُ مِثْلَ الَّذِي أَرَادُوا مِنَ الشَّهَادَةِ ، وَلكِنَّ آجَالَهُمْ عُجِّلَتْ ، وَمَنِيَّتُهُ أُخِّرَتْ . فَيَاعَجَباً لِلدَّهِرِ ! إِذْ صِرْتُ يُقْرَنُ بِي مَنْ لَمْ يَسْعَ بِقَدَمِي ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ كَسَابِقَتِي الَّتِي لاَ يُدْلِي أحَدٌ بِمِثْلِهَا ، إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ مَا لاَ أَعْرِفُهُ ، وَلاَ أَظُنُّ اللّهَ يَعْرِفُهُ . وَالْحَمْدُ للّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ .
وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ مِنْ دَفْعِ قَتَلَةِ عُثَْمانَ إِلَيْكَ ، فَإِنِّي نَظَرْتُ فِي هذَا الْأَمْرِ ، فَلَمْ أَرَهُ يَسَعُنِي دَفْعُهُمْ إِلَيْكَ وَلاَ إِلَى غَيْرِكَ ، وَلَعَمْرِي لَئِنْ لَمْ تَنْزِعْ عَنْ غَيِّكَ وَشِقَاقِكَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ عَنْ قَلِيلٍ يَطْلُبُونَكَ ، لاَ يُكَلِّفُونَكَ طَلَبَهُمْ فِي بَرٍّ وَلاَ بَحْرٍ ، وَلاَ جَبَلٍ وَلاَ سَهْلٍ ، إِلاَّ أَنَّهُ طَلَبٌ يَسُوؤُكَ وِجْدَانُهُ ، وَزَوْرٌ لاَ يَسُرُّكَ لُقْيَانُهُ ، وَالسَّلاَمُ لِأَهْلِهِ .

الشّرْحُ:

قوله عليه السلام : «فأراد قومنا» ، يعني قريشاً . والاجتياح : الاستئصال ، ومنه الجائحة وهي السَّنَة ، أو الفتنة التي تجتاح المال أو الأنفس .
قوله : «ومنعونا العذب» ، أي العيش العذب ، لا أنّهم منعوهم الماء العَذْب ، على أنه قد نقل أنّهم منعوا أيام الحصار في شِعْب بني هاشم من الماء العذب . «وأحلسونا الخوف» ، أي ألزموناه . والحِلْس : كساء رقيق يكون تحت برذعة البعير . وأحلاس البيوت : ما يُبسَط تحت حُرِّ الثياب ، وفي الحديث : « كن حِلْس بيتك» ، أي لا تخالط النّاس واعتزلْ عنهم ، فلما كان الحِلْس ملازما ظهرَ البعير ، وأحلاس البيوت ملازمة لها ، قال : «وأحلسونا الخوف» ؛ أي جعلوه لنا كالحِلْس الملازم . «واضطرونا إلى جبل وعر» ، مَثَل ضرَبَه عليه السلام لخشونة مُقامِهم وشَظَف منزلهم ، أي كانت حالنا فيه كحال من اضطر إلى ركوب جبل وَعْر ، ويجوز أن يكون حقيقة لا مثلاً ؛ لأنّ الشّعب الذي حصروهم فيه مَضِيق بين جبلين .
قوله : «فعزم اللّه لنا» ، أي قضى اللّه لنا ، ووفّقنا لذلك ، وجعلنا عازمين عليه . والحوْزة :


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
154

الشّرْحُ:

قوله عليه السلام : «فاحمل معاوية على الفَصْل» ، أي لا تتركه متلكّئا متردّدا ، يُطْمِعُك تارة ويؤيسك أُخرى ، بل احمله على أمر فَيْصَلٍ ، إمّا البَيْعة ، أو أن يأذَن بالحرب . وكذلك قوله : « وخذه بالأمر الجزم» ، أي الأمر المقطوع به ، لا تكنْ ممّن يُقدِّم رِجْلاً ويؤخِّر أُخرى ، وأصل الجزْم القطع . وحرب مُجْلِيَة : تَجْلِي المقهورين فيها عن ديارهم ، أي تُخرِجهم . وسِلْم مخزية ، أي فاضحة ؛ وإنما جعلها مخزية لأنّ معاوية امتنع أولا من البَيْعة ؛ فإذا دخل في السلّمْ فإنما يدخل فيها بالبيعة ، وإذا بايع بعد الامتناع ؛ فقد دخل تحت الهَضْم ورَضيَ بالضَّيم ؛ وذلك هو الخِزْي .
قوله «فانبذ إليه» من قوله تعالى : «فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَواءٍ»۱ وأصله العهد والهدنة وعقد الحِلف يكون بين الرجلين أو بين القبيلتين ، ثم يبدو لهما في ذلك فينتقلان إلى الحرب فينبذ أحدُهما إلى الآخر عهده ، كأنه كتاب مكتوب بينهما قد نبذه أحدُهما يوم الحرب وأبطله ، فاستعير ذلك للمجاهرة بالعداوة والمكاشفة ، ونسخ شريعة السلام السابقة بالحرب المعاقبة لها .

9

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى معاويةفَأَرَادَ قَوْمُنَا قَتْلَ نَبِيِّنَا ، وَاجْتِيَاحَ أَصْلِنَا ، وَهَمُّوا بِنَا الْهُمُومَ ، وَفَعَلُوا بِنَا الْأَفَاعِيلَ ، وَمَنَعُونَا الْعَذْبَ ، وَأَحْلَسُونَا الْخَوْفَ ، وَاضْطَرُّونَا إِلَى جَبَلٍ وَعْرٍ ، وَأَوْقَدُوا لَنَا نَارَ الْحَرْبِ . فَعَزَمَ اللّهُ لَنَا عَلَى الذَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ ، وَالرَّمْيِ مِنْ وَرَاءِ حَوْمَتِهِ ، مُؤْمِنُنَا يَبْغِي بِذلِكَ الْأَجْرَ ، وَكَافِرُنَا يُحَامِي عَنِ الْأَصْلِ ، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ قُرَيْش خِلْوٌ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ

1.سورة الأنفال ۵۸ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213030
صفحه از 800
پرینت  ارسال به