157
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

وأعلم أن اللّه سبحانه يعرف انتفاءه ، وكلّ ما يعلم اللّه انتفاءه فليس بثابت .
وتقول : أدلَى فلان بحجّته ، أي احتجّ بها ، وفلان مُدْلٍ برَحمِه ، أي مَتَّ بها ، وأدْلَى بماله إلى الحاكم : دفعه إليه ليجعله وسيلة إلى قضاء حاجته منه ، فأمّا الشّفاعة فلا يقال فيها : «أدليت»، ولكن «دلوت بفلان» أي استشفعت به .
قوله عليه السلام : «فلم أره يسعُني» ، أي لم أرَ أنه يحلّ لي دفعهم إليك . والضمير في «أرَهُ» ضمير الشأن والقصّة ، و«أره» من الرأي لا من من الرؤية ، كقولك : لم أرَ الرّأي الفلاني . ونزع فلان عن كذا ، أي فارقه وتركه ، ينزِع بالكسر . والغيّ : الجهل والضلال . والشّقاق : الخلاف . الوجْدان : مصدر وجدت كذا ، أي أصبته . والزّور : الزائر . واللُّقيان : مصدر لقيت ، تقول : لقيته لقاءً ولقياناً .
ثم قال : «والسلام لأهله» لم يستجز في الدين أن يقول له : «والسلام عليك » ؛ لأنّه عنده فاسق لا يجوز إكرامه ، فقال : «والسلام لأهله» ، أي على أهله .
واعلم أنّ هذه الكلمات التي ذكرها الرضيُّ رحمة اللّه عليه ملتقَطة من كتابه عليه السلام الّذي كتبه جوابا عن كتاب معاوية النافذ إليه مع أبي مسلم الخوْلانيّ ، وقد ذكره أهلُ السِّيرة في كتبهم .
وفي تفسير قوله عليه السلام : «مؤمننا يبغي بذلك الأجر ، وكافرنا يحامي عن الأصل ، ومن أسلم من قريش خلوٌ ممّا نحن فيه يحلف يمنعُه ، أو عشيرة تقوم دونه فهو من القتل بمكان أمن» .
فنقول : إنّ بني هاشم لما حُصِروا في الشِّعب بعد أن مَنَعُوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من قُريش ، كانوا صِنْفين : مسلمين وكفاراً ، فكان عليٌّ عليه السلام وحمزة بن عبد المطلب مسلمين . واختُلف في جعفر بن أبي طالب : هل حُصِر في الشِّعب معهم أم لا ؟ فقيل : حُصِر في الشِّعب معهم ، وقيل : بل كان قد هاجر إلى الحبشة ، ولم يشهد حِصَار الشِّعب ، وهذا هو القول الأصح . وكان العبّاس رحمه الله في حِصَار الشِّعب معهم إلاّ أنَّه كان على دين قومه ، وكذلك عَقِيل بن أبي طالب ، وطالب بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث بن عبد المطّلب ، وأبو سفيان بن الحارث بن بعد المطلب ، وابنه الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ـ وكان شديدا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، يُبغضه ويَهْجوه بالأشعار ، إلاّ أنه كان لا يرضى بقتله ، ولا يقارّ قريشا في دمه ؛ محافظة على النسب ـ وكان سَيّد المحصورين في الشّعب ورئيسهم وشيخهم أبو طالب بن عبد المطّلب ، وهو الكافل والمحامي .
واختلف الناس في إيمان أبي طالب ، فقالت الإمامية وأكثر الزّيدية : ما مات إلاّ مسلما .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
156

الناحية وحوزة الملك : بَيْضته . وحومة الماء والرمل : معظمه . والرمي عنها : المناضلة والمحاماة ، ويروى : «والرمي من وراء حرمته» ، والضمير في « حوزته» و «حومته» راجع إلى النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، وقد سبق ذكره ، وهو قوله : «نبينا» و يروى : «والرّميّا» .
وقال الراونديّ : «وهمُّوا بنا الهمومَ» ، «الهموم» منصوب هاهنا على المصدر ، أي همّوا بنا هموماً كثيرة ، وهمّوا بنا أي أرادوا نهبَنا ، وإنما أدخل لام التعريف في الهموم ، أي هموا بنا تلك الهموم التي تعرفونها ، فأتى باللام ليكون أعظم وأكبر في الصدور من تنكيرها ، أي تلك الهموم معروفة مشهورة بين الناس لتكرّر عزم المشركين في أوقات كثيرة مختلفة على الإيقاع . «وفعلوا بنا الأفاعيل» ، يقال لمن أثروا آثاراً منكرة : فعلوا بنا الأفاعيل ، وقلّ أن يقالَ ذلك في غير الضرر والأذى .
قوله : «يحامي عن الأصل» ، أي يدافع عن محمد ويذبُّ عنه حميّةً ومحافظة على النسب . قوله : «خِلْو مِمّا نحن فيه» ، أي خالٍ . الحِلْف : العهد . واحمرّ البأس ، كلمة مستعارة ، أي اشتدّت الحرب حتى احمرّت الأرض من الدم ، فجعل البأس هو الأحمر مجازا ، كقولهم : الموت الأحمر . «وأحجم الناس» ، أي كَفُّوا عن الحرب وجَبُنوا عن الإقدام ، يقال : حجمت فلاناً عن كذا أحجُمه بالضمّ ، فأحجم هُوَ ، وهذه اللفظة من النوادر ، كقولهم : «كببته فأكبّ» . ويوم مؤتة بالهمز ، ومؤتة : أرض معروفة . «وأرادَ مَنْ لو شئتُ لذكرت اسمَه» ، يعني به نفسَه .
قوله : «إذ صرتُ يقرَنُ بي مَنْ لم يَسْعَ بقدمي» إشارة إلى معاوية في الظّاهر ، وإلى مَنْ تقدّم عليه من الخلفاء في الباطن ، والدليل عليه قوله : «التي لا يُدْلِي أحد بمثلها» ، فأطلق القول إطلاقا عامّا مستغرقا لكلّ الناس أجمعين . ثم قال : «إلاّ أنْ يدّعِي مدّعٍ ما لا أعرفه ، ولا أظن اللّه يعرفه » ، أي كلّ من ادّعى خلاف ما ذكرته فهو كاذب ؛ لأنّه لو كان صادقاً لكان عليّ عليه السلام يعرفه لا محالة ، فإذا قال عن نفسه : إنّ كل دعوة تخالف ما ذكرت فإنّي لا أعرف صحّتها ، فمعناه أنها باطلة .
وقوله : «ولا أظنّ اللّه يعرفه» ، فالظنّ هاهنا بمعنى العلم ، كقوله تعالى : «ورَأَى المُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أنَّهُمْ مُواقِعُوهَا» ، وأخرج هذه الكلمة مخرج قوله تعالى : «قُلْ أَتُنَبِّـئونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى السَّمَـوَ تِ وَلاَ فِى الْأَرْضِ سُبْحَـنَهُ وَ تَعَــلَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» ، وليس المراده عليه السلام سَلْبَ الظّن الذي هو بمعنى العلم ، بل ظن السلب ، أي علم السلب ، أي

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213132
صفحه از 800
پرینت  ارسال به