175
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

أَبَا الْعَبَّاس ، رَحِمَكَ اللّهُ ، فِيَما جَرَى عَلَى لِسَانِكَ وَيَدِكَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ ! فَإِنَّا شَرِيكَانِ فِي ذلِكَ ، وَكُنْ عِنْدَ صَالِحِ ظَنِّي بِكَ ، وَلاَ يَفِيلَنَّ رَأَيِي فِيكَ ، وَالسَّلاَمُ .

الشّرْحُ:

قوله عليه السلام : مَهْبط إبليس : موضع هُبوطه . ومغرس الفِتَن : موضع غَرْسِها ، ويروَى «ومُغْرسِ الفتن» ، وهو الموضع الّذي ينزِل في القومُ آخر اللّيل للاستراحة ، يقال : غَرَسوا وأغرَسوا . وقولهُ عليه السلام : «فحادِثْ أهلَها» ، أي تعهّدْهم بالإحسان ، من قولِك : حادثتُ السيفَ بالصِّقال . والتنمُّر للقوم : الغلْظة عليهم ، والمعامَلة لهم بأخلاق النَّـمرِ ، من الجرْأة والوثوب . والوَغْم : التِّرة ، والأوْغام : التِّرات ، أي لم يُهدَر لهمْ دمٌ في جاهليّة ولا إسلام ، يصفُهم بالشّجاعة والحَميّة . ومأزُورون ، كان أصله «مَوْزورُون» ، ولكنّه جاء بالألف لِيُحاذِي به ألفَ « مأجُورُون» ، وقد قال النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم مثل ذلك .
قوله عليه السلام : «فاربَعْ أبا العباس» ، أي قِفْ وتثبَّت في جميع ما تعتمدُه فِعلاً وقَوْلاً من خَيْر وشر ، ولا تَعجَل به فإنّي شريكُك فيه إذ أنتَ عاملي والنائبُ عنّي . ويعني بالشرّ هاهنا الضررَ فقط ، لا الظّلم والفِعل القبيح . «وكن عند صالح ظنّي فيك» ، أي كن واقفا عندَه كأنّك تشاهِدُه فتَمنَعك مشاهَدَته عن فعلِ ما لا يجوز . فال الرأيُ يَفيل ، أي ضَعُف وأخطأ .

19

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى بعض عمالهأَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ دَهَاقِينَ أَهْلِ بَلَدِكَ شَكَوْا مِنْكَ غِلْظَةً وَقَسْوَةً ، وَاحْتِقَاراً وَجَفْوَةً ، وَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَهُمْ أَهْلاً لَأَنْ يُدْنَوْا لِشِرْكِهِمْ ، وَلاَ أَنْ يُقْصَوْا وَيُجْفَوْا لِعَهْدِهِمْ ، فَالْبَسَ لَهُمْ جِلْبَاباً مِنَ اللِّينِ تَشُوبُهُ بِطَرَفٍ مِنَ الشِّدَّةِ ، وَدَاوِلْ لَهُمْ بَيْنَ الْقَسْوَةِ وَالرَّأْفَةِ ،


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
174

يُعابُ المسلم بأنّ سَلَفه كانوا كُفّاراً؟
قلتُ : نعم ، إذا تَبِع آثارَ سَلفِه واحتَذَى حذوَهم ، وأميرُ المؤمنين عليه السلام ما عابَ معاويةَ بأنّ سَلَفه كُفّار فقط ، بل بكَوْنه متّبعاً لهم .
قولُه عليه السلام : «وفي أيدِينا بعدُ فَضْل النبوّة» ، أي إذا فَرَضْنا تَسَاوِي الأقدام في مآثر أسْلافكم ، كان في أيدينا بعدُ الفَضلُ عليكم بالنبوّة التي نَعَشْنا بها الخاملُ ، وأخْمَلْنا بها النّبيه .
قوله عليه السلام : «على حينَ فازَ أهلُ السَّبْق» ، قال قوم من النُّحاة : «حينَ» مبنيٌّ هاهنا عَلَى الفَتْح . وقال قوم : بل مَنْصوبٌ لإضافته إلى الفعل . قوله عليه السلام : «فلا تجعَلنّ للشيطان فيكَ نصيبا» ، أي لا تستَلْزِم من أفعالك ما يدوم به كونُ الشيطان ضارِبا فيك بنَصيب ؛ لأنّه ما كتب إليه هذه الرسالةَ إلاّ بعد أن صار للشيطان فيه أوفَرُ نصيب ، وإنّما المراد نهيُه عن دوام ذلك واستمرارِه.
وذَكر نصرُ بنُ مُزاحم بن بشّار العُقَيليّ في كتاب «صِفّين» أنّ هذا الكتاب كتبه عليّ عليه السلام إلى معاوية قبل ليلة الهرير بيومين أو ثلاثة .

18

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى عبد اللّه بن عباس وهو عامله على البصرةوَاعْلَمْ أَنَّ الْبَصْرَةَ مَهْبِطُ إِبْلِيسَ ، وَمَغْرِسُ الْفِتَنِ ، فَحَادِثْ أَهْلَهَا بِالاْءِحْسَانِ إِلَيْهِمْ ، وَاحْلُلْ عُقْدَةَ الْخَوْفِ عَنْ قُلُوبِهِمْ .
وَقَدْ بَلَغَنِي تَنَمُّرُكَ لِبَنِي تَمِيم ، وَغِلْظَتُكَ عَلَيْهِمْ ؛ وَإِنَّ بَنِي تَمِيمٍ لَمْ يَغِبْ لَهُمْ نَجْمٌ إِلاَّ طَلَعَ لَهُمْ آخَرُ ، وَإِنَّهُمْ لَمْ يُسْبَقُوا بِوَغْمٍ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلاَ إِسْلاَمٍ ، وَإِنَّ لَهُمْ بِنَا رَحِماً مَاسَّةً ، وَقَرَابَةً خَاصَّةً ، نَحْنُ مَأْجُورُونَ عَلَى صِلَتِهَا ، وَمَأْزُورُونَ عَلَى قَطِيعَتِهَا . فَارْبَعْ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 212890
صفحه از 800
پرینت  ارسال به