185
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

تَأْتِيَنَا بِإِذْنِ اللّهِ بُدَّناً مُنْقِيَاتٍ ، غَيْرَ مُتْعَبَاتٍ وَلاَ مَجْهُودَاتٍ ، لِنَقْسِمَهَا عَلَى كِتَابِ اللّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَإِنَّ ذلِكَ أَعْظَمُ لِأَجْرِكَ ، وَأَقْرَبُ لِرُشْدِكَ ، إِنْ شَاءَ اللّهُ .

الشّرْحُ:

قد كَرّر عليه السلام قوله : «لنَقسِمها على كتاب اللّه وسُنّة نبيّه صلى الله عليه و آله وسلم» في ثلاثة مواضعَ مِن هذا الفَصْل!
الأوّل ـ قولُه : «حتى يوصله إلى وليِّهم لِيَقسِمَه بينهم» .
الثاني ـ قوله عليه السلام : «نصيِّره حيث أمَرَ اللّه به» .
الثالث ـ قوله : «لنَقسِمها عَلَى كتاب اللّه » ، والبلاغة لا تقتضي ذلك ، ولكنّي أظنّه أحبَّ أن يَحتاط ، وأن يدفع الظِّنّة عن نفسِه ، فإن الزّمان كان في عهده قد فَسَد ، وساءت ظُنونُ الناس ، لا سيّما مع ما رآه من عثمان واستئثاره بمالِ الفَيْء .
ونعود إلى الشرح . قوله عليه السلام : «عَلَى تقَوَى اللّه » ، «على» ليست متعلّقة بـ « انطلِقْ» ، بل بمحذوف ، تقديرُه : مُواظِبا . «ولا تُرَوعَنّ» ، أي لا تُفَزِّعَنّ ، والرَّوع الفَزَع ، رُعتْه أرُوعه ، ولا تُروِّعنّ بتشديد الواو وضَمِّ حَرف المضارَعة ، من رَوّعت للتكثير . «ولا تجتازَنّ عليه كارهاً» ، أي لا تَمُرّنّ ببيوت أحدٍ من المسلمين يكره مُرورَك . ورُوِي : «ولا تَختارَنّ عليه» ، أي لا تَقسِم مالَه وتختَرْ أحدَ القِسْمين ، والهاء في « عليه » ترجع إلى «مُسلِما» ، وتفسير هذا سيأتي في وصيّته له أن يَصدَع المال ثم يصدعه ، فهذا هو النّهي عن أن يختار عَلَى المسلِم . والرواية الأُولى هي المشهورة .
قوله عليه السلام : «فانزلْ بمائهم» ، وذلك لأنّ الغريبَ يُحمَد منه الانقباض ، ويُستَهْجَن في القادم أن يُخالط بيوت الحيّ الذي قدم عليه فقد يكون هناك من النساء من لا تليق رؤيتُه ، ولا يحسُن سماعُ صَوته ، ومن الأطفال من يَستهجِن أن يرى الغريبَ انبساطَه على أبويه وأهلِه ، وقد يكره القومُ أن يطّلع الغريبُ عَلَى مأكَلهم ومشرَبهم وملبَسهم وبواطنِ أحوالهم ، وقد يكونون فقراء فيكرهون أن يعرِف فقرَهم فيحتقرهم ، أو أغنياءَ أربابَ ثروة كثيرةٍ فيكرهون أن يَعلَم الغريبُ ثروتَهم فيحسُدَهم ، ثم أمره أن يَمضِيَ إليهم غير متسرِّع ولا عَجِلٍ ولا طائشٍ نزِق ، حتى يقوم بينهم فيسلِّم عليهم ويحيِّيهم تحيّةً كاملة ، غير مخدجة ، أي غير ناقصة ، أخدجَتِ الناقةُ إذا جاءت بوَلَدها ناقصَ الخَلْق ، وإن كَانت أيامه تامّة ، وخَدَجتْ : ألقتْ الولدَ قبل تَمام أيّامه . ورُوي : «ولا تُحْدج بالتحيّة» ، والباء زائدة .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
184

كَارِهاً ، وَلاَ تَأْخُذَنَّ مِنْهُ أَكثَرَ مِنْ حَقِّ اللّهِ فِي مَالِهِ ، فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى الْحَيِّ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاتَهُمْ ، ثُمَّ امْض إِلَيْهِمْ بَالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ ؛ حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ . وَلاَ تُخْدِجْ بِالتَّحِيَّةِ لَهُمْ ، ثُمَّ تَقُولُ : عَبَادَ اللّهِ ، أَرْسَلنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اللّهِ وَخَلِيفَتُهُ ، لاِخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اللّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ ، فَهَلْ للّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤَدُّوهُ إِلَى وَلِيِّهِ!
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : لاَ ، فَـلاَ تُرَاجِعْهُ ، وَإِنْ أَنْعَمَ لَكَ مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ أَوْ تُوعِدَهُ ، أَوْ تَعْسِفَهُ أَوْ تُرْهِقَهُ ؛ فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، فَإَنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ أَوْ إِبِلٌ فَـلاَ تَدْخُلْهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ ، فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ ، فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَـلاَ تَدْخُلْ عَلَيْهَا دُخُولَ مُتَسَلِّطٍ عَلَيْهِ وَلاَ عَنِيفٍ بِهِ . وَلاَ تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً وَلاَ تُفْزِعَنَّهَا ، وَلاَ تَسُوءَنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا .
وَاصْدَعِ الْمَالَ صَدْعَيْنِ ثُمَّ خَيِّرْهُ ، فَإِذَا اخْتَارَ فَـلاَ تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ . ثُمَّ اصْدَعِ الْبَاقِيَ صَدْعَيْنِ ، ثُمَّ خَيِّرْهُ ، فَإِذَا اخْتَارَ فَـلاَ تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ ؛ فَـلاَ تَزَالُ كَذلِكَ حَتَّى يَبْقَى مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِحَقِّ اللّهِ فِي مَالِهِ ؛ فَاقْبِضْ حَقَّ اللّهِ مِنْهُ .
فَإِنِ اسْتَقَالَكَ فَأَقِلْهُ ، ثُمَّ اصْنَعْ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتَ أَوَّلاً حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّ اللّهِ فِي مَالِهِ. وَلاَ تَأْخُذَنَّ عَوْداً وَلاَ هَرِمَةً وَلاَ مَكْسُورَةً وَلاَ مَهْلُوسَةً ، وَلاَ ذَاتَ عَوَارٍ ؛ وَلاَ تَأمَنَنَّ عَلَيْهَا إِلاَّ مَنْ تَثِقُ بِدِينِهِ ، رَافِقاً بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُوَصِّلَهُ إِلَى وَلِيِّهِمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ ، وَلاَ تُوَكِّلْ بِهَا إِلاَّ نَاصِحاً شَفِيقاً وَأَمِيناً حَفِيظاً ، غَيْرَ مُعْنِفٍ وَلاَ مُجْحِفٍ ، وَلاَ مُلْغِبٍ وَلاَ مُتْعِبٍ .
ثُمَّ احْدُرْ إِلَيْنَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ نُصَيِّرْهُ حَيْثُ أَمَرَ اللّهُ بِهِ ، فَإِذَا أَخذَهَا أَمِينُكَ فَأَوْعِزْ إِلَيْهِ أَلاَّ يَحُولَ بَيْنَ نَاقَةٍ وَبَيْنَ فَصِيلِهَا ، وَلاَ يَمْصُرَ لَبَنَهَا فَيَضُرَّ ذلِكَ بِوَلَدِهَا ؛ وَلاَ يَجْهَدَنَّهَا رُكُوباً ، وَلْيَعْدِلْ بَيْنَ صَوَاحِبَاتِهَا فِي ذلِكَ وَبَيْنَهَا ، وَلْيُرَفِّهْ عَلَى الـلاَّغِبِ ، وَلْيَسْتَأنِ بِالنَّقِبِ وَالظَّالِعِ ، وَلْيُورِدْهَا مَا تَمُرُّ بِهِ مِنَ الْغُدُرِ ، وَلاَ يَعْدِلْ بِهَا عَنْ نَبْتِ الْأَرْض إِلَى جَوَادِّ الطُّرُقِ ، وَلْيُرَوِّحْهَا فِي السَّاعَاتِ ، وَلُيمْهِلْهَا عِنْدَ النِّطَافِ وَالْأَعْشَابِ ، حَتَّى

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213071
صفحه از 800
پرینت  ارسال به