193
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

ومثل قولِه : «ولا تُسخِط اللّهَ برضى أحد من خلقِه» ، ما رواه المبرِّد في « الكامل» عن عائشة قالت : من أرضَى اللّهَ بإسخاط الناس كفاه اللّه ما بينه وبين الناس ، ومَن أرضَى الناسَ بإسخاط اللّه وَكَله اللّه إلى الناس .

الأصْلُ:

۰.ومن هذا العهد:فَإِنَّهُ لاَ سَوَاءَ ، إِمَامُ الْهُدَى وَإِمَامُ الرَّدَى ، وَوَلِيُّ النَّبِيِّ ، وَعَدُوُّ النَّبِيِّ . وَلَقَدْ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ : إِنِّي لاَ أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مُؤْمِناً وَلاَ مُشْرِكاً ؛ أَمَّا الْمُؤمِنُ فَيَمْنَعُهُ اللّهُ بِإِيمَانِهِ ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُ فَيَقْمَعُهُ اللّهُ بِشِرْكِهِ ، وَلكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ كُلَّ مَنَافِقِ الْجَنَانِ ، عَالِمِ اللِّسَانِ ، يَقُولُ مَا تَعْرِفُونَ ، وَيَفْعَلُ مَا تُنْكِرُونَ .

الشّرْحُ:

الإشارة بإمام الهُدَى إليهِ نفسِه ، وبإمام الرَّدى إلى معاويةَ ، وسمّـاه إماماً ، كما سَمَّى اللّهُ تعالى أهلَ الضّلال أئمة ، فقال : «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إلَى النَّار»۱ ثم وصفه بصفة أُخرى وهو أنه عدوّ النّبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ليس يعنى بذلك أنه كان عدوّا أيام حَرْب النبيّ صلى الله عليه و آله وسلملقريش ، بل يريد أنّه الآن عدوّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، لقوله صلى الله عليه و آله وسلمله عليه السلام : «وعدوّك عدوّي ، وعدوّي عدوّ اللّه » . وأوّل الخبر : «وليُّك وَليِّي ، ووليِّي وَلِيّ اللّه » ، وتمامُه مشهور ، ولأنّ دلائلَ النفاق كانت ظاهرة عليه من فَلَتات لسانه ومن أفعاله .
ثم قال عليه السلام : «إنّ رسولَ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قال : إني لا أخاف على أمّتي مؤمنا ولا مُشرِكا » ۲ أي ولا مشركاً يُظهِر الشِّرك ، قال : لأنّ المؤمن يَمنعه اللّهُ بإيمانه أن يُضِلّ الناسَ . والمُشرك مُظهِر الشّرك ، يَقمَعه اللّه بإظهار شِركه ويَخذُله ، ويَصرِف قلوبَ الناس عن اتّباعه ؛ لأنّهم يَنفِرون

1.سورة القصص ۴۱ .

2.يقمعه : يقهره ويذلّه لِعلم الناس أنّه مشرك فيحذرونه . منافق الجنان : من أسرّ النفاق في قلبه . عالم باللّسان : من يعرف أحكام الشريعة ويبيّنها بقوله ولا يؤيده بفعله .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
192

قوله : «فإنَّه يأتي بأمرٍ عظيم ، وخطب جليل ، بخيْرٍ لا يكون معه شرٌّ أبداً وشرٍّ لا يكون معه خيرٌ أبدا» ، نصّ صريح في مذهب أصحابنا في الوعيد ، وأنّ من دخل النار من جميع المكلَّفين فليس بخارج ، لأنّه لو خرج منها لكان الموتُ قد جاءه بشرٍّ معه خير ، وقد نَفى نفيا عامّاً أن يكون مع الشرّ المعقب للموت خير البتّة . «من عاملها» ، أي من العامل لها . قوله : « طُردَاء الموت» ، جمع طَريد ، أي يطردكم عن أوطانكم ويُخرجكم منها ، لابد من ذلك ، إن أقمتمْ أخَذَكم ، وإن هَرَبتم أدرَكَكم . قوله : «ألزَم لكم من ظِلّكم» ، لأنّ الظلّ لا تصح مفارَقته لذى الظلّ ما دام في الشمس ، وهذا من الأمثال المشهورة . «معقودٌ بنَواصيكم» ، أي ملازِمٌ لكم ، كالشيء المعقود بناصية الإنسان أين ذهب ذهب معه . «والدنيا تُطوَى مِن خلفِكم » . مِن كلام بعض الحكماء : الموتُ والناس كسطورٍ في صحيفة يقرؤها قارئٌ ويَطوي ما يقرأ ، فكلّما ظهر سطرٌ خفِيَ سطر .
ثم أمره عليه السلام بأن يَجمَع بين حُسن الظّن باللّه وبين الخوف منه ، وهذا مَقامٌ جليل لا يصل إليه إلاّ كلُّ ضامرٍ مهزول . ثم قال : «ولّيتُك أعظمَ أجنادي» ، يقال للأقاليم والأطراف : أجناد ، تقول : وَلِيَ جُندَ الشام ، ووَلِيَ جند الأُرْدُنّ ، وولي جندَ مِصرَ .
قوله : «فأنت محقوق» ، كقولك حَقِيق وجَدِير وخَلِيق ، قال الشاعر :

وإني لَمحقوقٌ بألاّ يَطولَنينَداهُ إذا طاوَلْتُه بالقصائدِ
وتُنافِح : تُجالِد ، نافحتُ بالسيف أي خاصمتُ به .
قوله : «ولو لم يكن إلاّ ساعة من الدَّهْرِ» ، المراد تأكيد الوَصاة عليه أن يخالِف على نفسه ، وألاّ يتّبع هَواها ، وأن يُخاصِم عن دِينه ، وأن ذلك لازمٌ له ، وواجبٌ عليه ، ويلزم أن يفعله دائما فإن لم يستطع فليفعلْه ولو ساعة من النهار ، وينبغي أن يكون هذا التقييد مصروفا إلى المنافحة عن الدِّين . قال : «ولا تُسخِط اللّهَ برضى أحد من خلقِه ، فإنّ في اللّه خَلَفاً من غيرِه ، وليس من اللّه خَلَفٌ في غيره» .
ثم أمَرَه بأن يصلّي الصلاةَ لوقتها ؛ أي في وقتها ، ونهاه أن يحمِلَه الفراغُ من الشّغل على أن يُعجِّلها قبل وقتها ، فإنها تكون غيرَ مقبولة ، أو أن يَحمِله الشّغل على تأخيرها عن وقتها فيَأثم . قولُه : «واعلم أنّ كل شيء من عملك تَبعٌ لصلاتك» ، فيه شَبَهٌ من قول رسولِ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: «الصّلاةُ عِماد الإيمان ، ومن تَرَكَها فقد هَدَم الإيمان» . وقال صلى الله عليه و آله وسلم : «أوّل ما يحاسَب به العبدُ صَلاته ، فإن سُهّل عليه كان ما بعدَه أسهَل ، وإن اشتدّ عليه كان ما بعدَه أشدّ » .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 218250
صفحه از 800
پرینت  ارسال به