195
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

فَضْلٌ ، حَتَّى إِذَا اسْتُشْهِدَ شَهِيدُنَا قِيلَ : سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ ، وَخَصَّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِسَبْعِينَ تَكْبِيرَةً عِنْدَ صَـلاَتِهِ عَلَيْهِ؟
أَوَلاَ تَرَى أَنَّ قَوْماً قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ - وَلِكُلٍّ فَضْلٌ - حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ ، قِيلَ : الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ وَذُو الْجَنَاحَيْنِ؟
وَلَوْلاَ مَا نَهَى اللّهُ عَنْهُ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ ، لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائِلَ جَمَّةً ، تَعْرِفُهَا قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلاَ تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعِينَ .
فَدَعْ عَنْكَ مَنْ مَالَتْ بِه الرَّمِيَّةُ ، فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا ، وَالنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا . لَمْ يَمْنَعْنَا قَدِيمُ عِزِّنَا وَلاَ عَادِيُّ طَوْلِنَا عَلَى قَوْمِكَ أَنْ خَلَطْنَاكُمْ بَأَنْفُسِنَا ؛ فَنَكَحْنَا وَأَنْكَحْنا ، فِعْلَ الْأَكْفَاءِ ، وَلَسْتُمْ هُنَاكَ ! وَأَنَّى يَكُونُ ذلِكَ وَمِنَّا النَّبِيُّ وَمِنْكُمُ الْمُكَذِّبُ ، وَمِنَّا أَسَدُ اللّهِ وَمِنْكُمْ أَسَدُ الْأَحْـلاَفِ ، وَمِنَّا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمِنْكُمْ صِبْيَةُ النَّارِ ، وَمِنَّا خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينِ ، وَمِنْكُمْ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ ، فِي كَثِيرٍ مِمِّا لَنَا وَعَلَيْكُمْ!
فَإِسْلاَمُنَا ما قَدْ سُمِعَ ، وَجَاهِلِيَّتُنَا لاَ تُدْفَعُ ، وَكِتَابُ اللّهِ يَجْمَعُ لَنَا مَا شَذَّ عَنَّا ، وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كِتَابِ اللّهِ»۱ وَقَوْلُهُ تَعَالَى : «إِنَّ أَوْلَى النَّاس بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواوَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ»۲ ، فَنَحْنُ مَرَّةً أوْلَى بِالْقَرَابَةِ ، وَتَارَةً أَوْلَى بِالطَّاعَةِ .
وَلَمَّا احْتَجَّ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى الْأَنْصَارِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ بِرَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَلَجُوا عَلَيْهِمْ ، فَإِنْ يَكُنِ الْفَلَجُ بِهِ فَالْحَقُّ لَنَا دُونَكُمْ ، وَإِنْ يَكُنْ بِغَيْرِهِ فَالأنصَارُ عَلَى دَعْوَاهُمْ .
وَزَعَمْتَ أَنِّي لِكُلِّ الْخُلَفَاءِ حَسَدْتُ ، وَعَلَى كُلِّهِمْ بَغَيْتُ ، فَإِنْ يَكُنْ ذلِكَ كَذلِكَ فَلَيْسَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْكَ ، فَيَكُونَ الْعُذْرُ إِلَيْكَ .

1.سورة الأنفال ۷۵ .

2.سورة آل عمران ۶۸ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
194

منه لإظهاره كلمةَ الكُفْر ، فلا تطمئنّ قلوبُهم إليه ، ولا تَسكُن نفوسهم إلى مقالته ، ولكنّي أخاف على أُمتي المنافقَ الّذي يُسِرُّ الكفر والضلال ، ويُظهِر الإيمانَ والأفعال الصالحة ، ويكون مع ذلك ذا لَسَن وفصاحة ، يقول بلسانه ما تعرفون صوابَه ، ويَفعل سرّاً ما تُنكِرونه لو اطّلعتم عليه ، وذاك أنّ مَنْ هذه صِفتُه تَسكُن نفوسُ الناس إليه ؛ لأنّ الإنسان إنما يحكم بالظاهر فيقلّده الناس ؛ فيضلّهم ويوقعهم في المفاسد .

28

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية جواباً ، وهو من محاسن كتبهأَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ اصْطِفَاءَ اللّهِ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله وسلم لِدِينِهِ ، وَتَأْيِيدَهِ إِيَّاهُ بِمَنْ أَيَّدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ ؛ فَلَقَدْ خَبَأَ لَنَا الدَّهْرُ مِنْكَ عَجَباً ؛ إِذْ طَفِقْتَ تُخْبِرُنَا بِبَلاَءِ اللّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا ، وَنِعْمَتِهِ عَلَيْنَا فِي نَبِيِّنَا ، فَكُنْتَ فِي ذلِكَ كَنَاقِلِ التمْرِ إِلَى هَجَرَ ، أَوْ دَاعِي مُسَدِّدِهِ إِلَى النِّضَالِ .
وَزَعَمْتَ أَنَّ أَفْضَلَ النَّاس فِي الاْءِسْلاَمِ فُـلاَنٌ وَفُـلاَنٌ ؛ فَذَكَرْتَ أَمْراً إِنْ تَمَّ اعْتَزَلَكَ كُلُّهُ ، وَإِنْ نَقَصَ لَمْ يَلْحَقْكَ ثَلْمُهُ . وَمَا أَنْتَ وَالْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ ، وَالسَّائِسَ وَالْمَسُوسَ ! وَمَا لِلطُّلَقَاءِ وَأَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ ، وَالَّتمْييزَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ ، وَتَرْتِيبَ دَرَجَاتِهِمْ ، وَتَعْرِيفَ طَبَقَاتِهِمْ ! هَيْهَاتَ لَقَدْ حَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا ، وَطَفِقَ يَحْكُمُ فِيهَا مَنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَهَا ! أَلاَ تَرْبَعُ أَيُّهَا الاْءِنْسَانُ عَلَى ظَلْعِكَ ، وَتَعْرِفُ قُصُورَ ذَرْعِكَ ، وَتَتأَخَّرُ حَيْثُ أَخَّرَكَ الْقَدَرُ ! فَمَا عَلَيْكَ غَلَبَةُ الْمَغْلُوبِ ، وَلاَ ظَفَرُ الظَّافِرِ ! وَإِنَّكَ لَذَهّابٌ فِي التِّيهِ ، رَوَّاغٌ عَنِ الْقَصْدِ . أَلاَ تَرَى - غَيْرَ مُخْبِرٍ لَكَ ، وَلكِنْ بِنِعْمَةِ اللّهِ أُحَدِّثُ - أَنَّ قَوْماً اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُهاجِرينَ وَالأنصَارِ ، وَلِكُلٍّ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 218215
صفحه از 800
پرینت  ارسال به