197
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

فَسَيَطْلُبُكَ مَنْ تَطْلُبُ ، وَيَقْرُبُ مِنْكَ مَا تَسْتَبْعِدُ ، وَأَنَا مُرْقِلٌ نَحْوَكَ فِي جَحْفَلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، شَدِيدٍ زِحَامُهُمْ ، سَاطِعٍ قَتَامُهُمْ ، مُتَسَرْبِلِينَ سَرَابِيلَ الْمَوْتِ ؛ أَحَبُّ اللِّقَاءِ إِلَيْهِمْ لِقَاءُ رَبِّهِمْ ، وَقَدْ صَحِبَتْهُمْ ذُرِّيَّةٌ بَدْرِيَّةٌ ، وَسُيُوفٌ هَاشِمِيَّةٌ ، قَدْ عَرَفْتَ مَوَاقِعَ نِصَالِهَا فِي أَخِيكَ وَخَالِكَ وَجَدِّكَ وَأَهْلِكَ «وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ»۱ .

الشّرْحُ:

قولُه : «فلقد خَبَأ لنا الدهرُ منك عَجَباً» ، موضعُ التعجُّب أنّ معاويةَ يُخبِر عليّا عليه السلام باصطفاء اللّه تَعالى محمداً وتشريفه له ، وتأييدِه له ؛ وهذا ظريف لأنّه يجري كإخبار زيدٍ عمراً عن حالِ عمرٍو ، إذ كان النبيُّ صلى الله عليه و آله وسلموعلي عليه السلام كالشيء الواحد . وخبأ مهموز ، والمصدرُ الخَبْ ء ، ومنه الخابية ، وهي الخب ء إلاّ أنّهم تركوا همزَها ، والخَب ء أيضاً والخبيء على « فَعِيل » ما خُبئ . وبلاءُ اللّه تعالى : إنعامُه وإحسانه .
وقولُه عليه السلام : «كناقِلِ الَّتمر إلى هجَر» ، مَثَلٌ قديم . وهَجَر : اسم مدينة لا ينصرف للتعريف والتّأنيث . وقيل : هو اسم مذكَّر مصروف ، وأصل المَثَل « كَمُسْتَبْضع تَمْرٍ إلى هَجَرَ» ، والنسبة إليه هاجِرِيّ على غير قياس ، وهي بلدة كثيرة النخل يُحمل منها التمر إلى غيرها .قولُه : «أو داعي مسدّدة إلى النضال» ، أي معلِّمه الرَّمْيَ ، وهذا إشارة إلى قول القائل الأوّل :

أُعَلِّمه الرِّمايةَ كلَّ يومٍفلما اشتدّ ساعدُه رماني
هكذا الرِّواية الصحيحة بالسين المهملة ، أي استقام ساعدُه على الرّمي ، وسدَّدتُ فلاناً علّمته النِّضالَ ، وسهمٌ سَديد : مُصيب ، ورمحٌ سديد ، أي قلَّ أن تخطئ طعنتُه .
قوله عليه السلام : «وزعمتَ أن أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان» ، أي أبو بكر وعمر .

1.سورة هود ۸۳ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
196

* وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا ۱ *
وَقُلْتَ : إِنِّي كُنْتُ أُقَادُ كَمَا يُقَادُ الْجَمَلُ المخْشُوشُ ۲ حَتَّى أُبَايِعَ ؛ وَلَعَمْرُ اللّهِ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَذُمَّ فَمَدَحْتَ ، وَأَنْ تَفْضَحَ فَافْتَضَحْتَ ! وَمَا عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَةٍ فِي أَنْ يَكُونَ مَظْلُوماً مَا لَمْ يَكُنْ شَاكّاً فِي دِينِهِ ، وَلاَ مُرْتَاباً بِيَقِينِهِ!
وَهذِهِ حُجَّتِي إِلَى غَيْرِكَ قَصْدُهَا ، وَلكِنِّي أَطْلَقْتُ لَكَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا سَنَحَ مِنْ ذِكْرِهَا .
ثُمَّ ذَكَرْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِي وَأَمْرِ عُثمانَ ، فَلَكَ أَنْ تُجَابَ عَنْ هذِهِ لِرَحِمِكَ منْهُ ؛ فَأَيُّنَا كَانَ أَعْدَى لَهُ ، وَأَهْدَى إِلَى مَقَاتِلِهِ ! أَمَنْ بَذَلَ لَهُ نُصْرَتَهُ فَاسْتَقْعَدَهُ وَاسْتَكَفَّهُ ۳ ، أَمْ مَنِ اسْتَنْصَرَهُ فَتَرَاخَى عَنْهُ وَبَثَّ الْمَنُونَ إِلَيْهِ ؛ حَتَّى أَتَى قَدَرُهُ عَلَيْهِ ؟ كَلاَّ وَاللّهِ لَقَدْ «يَعْلَمُ اللّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لاِءِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأَتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَليلاً»۴ .
وَمَا كُنْتُ لِأَعْتَذِرَ مِنْ أَنِّي كُنْتُ أَنْقِمُ عَلَيْهِ أَحْدَاثاً ؛ فَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ إِلَيْهِ إِرْشَادِي وَهِدَايَتِي لَهُ ؛ فَرُبَّ مَلُومٍ لاَ ذَنْبَ لَهُ .
* وَقَدْ يَسْتَفِيدُ الظِّنَّةَ الْمُتَنَصِّحُ ۵ *
وَمَا أَرَدْتُ إِلاَّ الاْءِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ ، وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ .
وَذَكَرْتَ أَنَّهُ لَيْسَ لِي وَلِأَصْحَابِي عِنْدَكَ إِلاَّ السَّيْفُ ، فَلَقَدْ أَضْحَكْتَ بَعْدَ اسْتِعْبَارٍ! مَتَى أَلْفَيْتَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ الْأَعَدَاءِ نَاكِلِينَ ، وَبِالسَّيْفِ مُخَوَّفِينَ ، فـ
* لَبِّثْ قَلِيلاً يَلْحَقِ الْهَيْجَا حَمَلْ ۶ *

1.الشكاة : النقيصة والعيب ؛ وأصلها في المرض . وظاهر عنك ، أي لا يعلَق بك . وهذا عجز بيت لأبي ذؤيب الهذليّ ، وأوله : * وَعَيّرها الْواشونَ أنّي أُحِبُّها * .

2.الجمل المخشوش : في أنفه خشبة يقاد بها . غضاضة : منقصة . أعدى له : أشدّ عدواً . والمقاتل : مواضع القتل .

3.أي أن الإمام عليه السلام كان قد بذل النصرة لعثمان ، ولكن استقعده ولم ينتصر به .

4.سورة الأحزاب : ۱۸ .

5.الظنّة : التهمة . والمتنصّح : المبالغ في النصح . وهذا عجز بيت وصدره : * وكم سُقْتُ في آثاركم من نصيحةٍ *

6.لبّث : فعل أمر من لبّثه : إذا استزاد لُبثه ، أي مكثه ، يريد : أمهل . والهيجاء : الحرب ، وحَمَلْ هو ابن بدر ، كان من قشير ، أغير على إبله فاستنقذها وقال : لبّث قليلاً يَلحَقِ الهيجا حَمَلْلا بأس بالموت إذا الموت نزل فصار مثلاً يضرب للتهديد بالحرب

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 218200
صفحه از 800
پرینت  ارسال به