فَسَيَطْلُبُكَ مَنْ تَطْلُبُ ، وَيَقْرُبُ مِنْكَ مَا تَسْتَبْعِدُ ، وَأَنَا مُرْقِلٌ نَحْوَكَ فِي جَحْفَلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، شَدِيدٍ زِحَامُهُمْ ، سَاطِعٍ قَتَامُهُمْ ، مُتَسَرْبِلِينَ سَرَابِيلَ الْمَوْتِ ؛ أَحَبُّ اللِّقَاءِ إِلَيْهِمْ لِقَاءُ رَبِّهِمْ ، وَقَدْ صَحِبَتْهُمْ ذُرِّيَّةٌ بَدْرِيَّةٌ ، وَسُيُوفٌ هَاشِمِيَّةٌ ، قَدْ عَرَفْتَ مَوَاقِعَ نِصَالِهَا فِي أَخِيكَ وَخَالِكَ وَجَدِّكَ وَأَهْلِكَ «وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ»۱ .
الشّرْحُ:
قولُه : «فلقد خَبَأ لنا الدهرُ منك عَجَباً» ، موضعُ التعجُّب أنّ معاويةَ يُخبِر عليّا عليه السلام باصطفاء اللّه تَعالى محمداً وتشريفه له ، وتأييدِه له ؛ وهذا ظريف لأنّه يجري كإخبار زيدٍ عمراً عن حالِ عمرٍو ، إذ كان النبيُّ صلى الله عليه و آله وسلموعلي عليه السلام كالشيء الواحد . وخبأ مهموز ، والمصدرُ الخَبْ ء ، ومنه الخابية ، وهي الخب ء إلاّ أنّهم تركوا همزَها ، والخَب ء أيضاً والخبيء على « فَعِيل » ما خُبئ . وبلاءُ اللّه تعالى : إنعامُه وإحسانه .
وقولُه عليه السلام : «كناقِلِ الَّتمر إلى هجَر» ، مَثَلٌ قديم . وهَجَر : اسم مدينة لا ينصرف للتعريف والتّأنيث . وقيل : هو اسم مذكَّر مصروف ، وأصل المَثَل « كَمُسْتَبْضع تَمْرٍ إلى هَجَرَ» ، والنسبة إليه هاجِرِيّ على غير قياس ، وهي بلدة كثيرة النخل يُحمل منها التمر إلى غيرها .قولُه : «أو داعي مسدّدة إلى النضال» ، أي معلِّمه الرَّمْيَ ، وهذا إشارة إلى قول القائل الأوّل :
أُعَلِّمه الرِّمايةَ كلَّ يومٍفلما اشتدّ ساعدُه رماني
هكذا الرِّواية الصحيحة بالسين المهملة ، أي استقام ساعدُه على الرّمي ، وسدَّدتُ فلاناً علّمته النِّضالَ ، وسهمٌ سَديد : مُصيب ، ورمحٌ سديد ، أي قلَّ أن تخطئ طعنتُه .
قوله عليه السلام : «وزعمتَ أن أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان» ، أي أبو بكر وعمر .