أي أنا قادر على أن أذكر مِن هذا شيئا كثيرا ، ولكنّي أكتفي بما ذكرت .
فإن قلت : فبماذا يتعلّق «في» في قوله : «في كثير»؟
قلتُ : بمحذوف تقديرُه : هذا الكلام داخلٌ في جملة كلامٍ كثيرٍ يتضمّن ما لَنا وعليكم .
قولُه عليه السلام : «فإسْلامُنا ما قد سُمِع ، وجاهليّتنا لا تُدفَع» ، كلامٌ قد تعلّق به بعضُ من يتعصّب للأمويّة . وقال : لو كانت جاهليّة بني هاشم في الشّرف كإسلامهم لعدّ من جاهليّتهم حَسب ما عدّ من فضيلتهم في الإسلام .
هذه الرسالة الكريمة هي جواب لرسالة كان قد بعثها معاوية مع أبي مسلم الخولاني ، ثم إن ابن أبي الحديد أورد رسالة معاوية من إملاء النقيب أبي جعفر يحيى بن زيد ، بعثها معاوية مع أبي أُمامة الباهلي ، حذفناها للاختصار .
قال النّقيب أبو جعفر : فلما وصل هذا الكتابُ إلى عليّ عليه السلام مع أبي اُمامة الباهلي ، كلَّم أبا أُمامة بنحوٍ ممَّا كلَّم به أبا مُسلم الخَولاني ، وكتب معه هذا الجواب .
قال النقيب : وفي كتابِ معاويةَ هذا ذكرُ لفظ الجمل المخشوش أو الفَحل المخشوش ، لا في الكتاب الواصل مع أبي مسلم ، وليس في ذلك هذه اللّفظة ، وإنّما فيه : «حسدتَ الخلفاءوبَغيتَ عليهم ، عرفنا ذلك من نظرك الشَّزر ، وقولك الهُجر وتنفُّسك الصُّعداء ، وإبطائك عن الخلفاء » .
قال : وإنما كثيرٌ من الناس لا يعرفون الكتابين ؛ والمشهور عندهم كتابُ أبي مسلم فيجعلون هذه اللّفظة فيه ، والصحيح أنّها في كتاب أبي أُمامة .
قال ابن أبي الحديد : ثم انّ النقيب أمرني أنْ اكتب ما عليه علي عليه السلام فكتبته ، قال رحمه الله :
كان معاوية يتسقّط عليّاً ويَنعَى عليه ما عساه يذكره من حال أبي بكر وعمر ، وأنهما غَصَباه حقَّه ، ولا يزال يكيدُه بالكتاب يكتبه ، والرّسالة يبعثُها يطلب غرّته ؛ لينفُث بما في صدره من حال أبي بكر وعمر ، إمّا مكاتبةً أو مراسلة ، فيجعل ذلك حجّةً عليه عند أهل الشام ، ويضيفه إلى ما قرّره في أنفسهم من ذنوبه كما زعم ، فقد كان غمصه عندهم بأنَّه قتل عثمانَ ومالأَ على قتله ، وأنه قتل طلحةَ والزّبير ، وأسَرَ عائشة ، وأراق دماء أهلِ البصرة . وبقيت خصلةٌ واحدة ، وهو أن يثبت عندهم أنه يتبرّأ من أبي بكر وعمر ، وينسبهما إلى الظُّلم ومخالفة الرّسول في أمر الخلافة ، وأنهما وثبا عليها غلبةً ، وغصباه إيّاها ؛ فكانت هذه الطامّة الكبرى ليست مقتصرةً على فساد أهل الشام عليه ، بل وأهلِ العراق الَّذين هم جُندُه