207
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

موسى وغباوته وانحرافه أيضا .
قوله : «إلى المولود» ، هذه اللفظة بإزاء «الوالد» . «المؤمّل ما لا يدرك» ، لو قال قائل : إنه كنى بذلك عن أنه لا ينال الخلافة بعد موتي وإن كان مؤملاً لها لم يُبعد ، ويكون ذلك إخبارا عن غيب ، ولكن الأظهر أنّه لم يرد ذلك ، وإنما أراد جنس البشر لا خصوص الحسن ، وكذلك سائر الأوصاف التي تلي هذه اللفظة لا تخصّ الحسن عليه السلام بعينه ، بل هي وإن كانت له في الظاهر بل هي للناس كلّهم في الحقيقة ، ألا ترى إلى قوله بعدها : «السالك سبيل من قد هلك» ، فإن كل واحد من الناس يؤمّل أُمورا لا يدركها ، وكلّ واحد من الناس سالك سبيل من هلك قبله . قوله عليه السلام : «غرض الأسقام» ؛ لأنّ الإنسان كالهدف لآفات الدنيا وأعراضها . «ورهينة الأيام » ، الرهينة هاهنا : المهزول يقال : إنه لرهن ، وإنه لرهينة ؛ إذا كان مهزولاً بالياء . ويجوز أن يريد بالرهينة واحدة الرهائن ؛ يقال للأسير أو للزمِن أو للعاجز عند الرحيل : إنّه لرهينة ؛ وذلك لأنّ الرهائن محتبسة عند مرتهنها .
«ورميّة المصائب» ، الرميّة ما يرمى .
قوله : «وعبد الدنيا ، وتاجر الغرور ، وغريم المنايا» ؛ لأنّ الإنسان طوع شهواته ، فهو عبد الدنيا ، وحركاته فيها مبنيّة على غرور لا أصل له ، فهو تاجر الغرور لا محالة ؛ ولمّا كانت المنايا تطالبه بالرحيل عن هذه الدار كانت غريماً له يقتضيه ما لابدّ له من أدائه . «وأسير الموت ، وحليف الهموم ، وقرين الأحزان ، ونصب الآفات ، صريع الشهوات» ، لما كان الإنسان مع الموت ، كان أسيرا له لا محالة ؛ ولمّا كان لابدّ لكلّ إنسان من الهمّ كان حليف الهموم ؛ وكذلك لا يخلو ولا ينفكّ من الحزن ، فكان قرينا له ، ولما كان معرّضا للآفات كان نصباً لها ، ولما كان إنما يهلك بشهواته كان صريعا لها . قوله : «وخليفة الأموات» قد أخذه مَنْ قال : إنّ امرأً ليس بينه وبين آدم إلاّ أب ميّت لمعرق في الموت .
واعلم أنّه عدّ من صفات نفسه سبعا ، وعدّ من صفات ولده أربع عشرة صفة ، فجعل بإزاء كلّ واحدة مما له اثنتين ممّا لولده ، فليلمح ذلك .

الأصْلُ:

۰.أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ فِيَما تَبَيَّنْتُ مِنْ إِدبَارِ الدُّنْيَا عَنِّي ، وَجُمُوحِ الدَّهْرِ عَلَيَّ ، وَإِقْبَالِ الآخِرَةِ إِلَيَّ ، مَا يَزَعُنِي عَنْ ذِكْرِ مَنْ سِوَايَ ، وَالاْهْتَِمامِ بِمَا وَرَائِي ، غَيْرَ أَنِّي حَيْثُ تَفَرَّدَ بِي


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
206

وَأَسِيرِ الْمَوْتِ ، وَحَلِيفِ الْهُمُومِ ، وَقَرِينِ الْأَحْزَانِ ، وَنُصُبِ الآفَاتِ ، وَصَرِيعِ الشَّهَوَاتِ ، وَخَلِيفَةِ الْأَمْوَاتِ.

الشّرْحُ:

أمّا قوله : «كتبها إليه بحاضرين» ، فالذي كُنا نقرؤه قديما : «كتبها إليه بالحاضرَيْن» على صيغة التثنية ؛ يعني حاضر حلب وحاضر قِنّسرِين ، وهي الأرباض والضواحي المحيطة بهذه البلاد . ثم قرأناه بعد ذلك على جماعة من الشيوخ بغير لامٍ ، ولم يفسّروه ، ومنهم من يذكره بصيغة الجمع لا بصيغة التثنية ، ومنهم من يقول بخناصرين ، يظنونه تثنية خناصرة أو جمعها ، وقد طلبتُ هذه الكلمة في الكتب المصنفة ، سيّما في البلاد والأرضين فلم أجدها ، ولعَلّي أظفر بها فيما بعد فألحقها في هذا الموضع .
قوله : «من الوالد الفان» ، حذف الياء هاهنا للازدواج بين «الفان» و « الزمان» ، ولأنّهُ وقف ، وفي الوقف على المنقوص يجوز مع اللام حذف الياء وإثباتها ، والإثبات هو الوجه ، ومع عدم اللام يجوز الأمران وإسقاط الياء هو الوجه . قوله : «المقرّ للزمان» ، أي المقرّ له بالغلبة ، كأنه جعل نفسه فيما مضى خصما للزمان بالقهر . قوله : «المدبر العمر» ؛ لأنّه كان قد جاوز الستين ، ولم يبق بعد مجاوزة الستين إلاّ إدبار العمر ؛ لأنّها نصف العمر الطبيعي الذي قلّ أن يبلغه أحدٌ ، فعلى تقدير أنه يبلغه ، فكلّ ما بعد الستين أقلّ مما مضى ، فلا جرم يكون العمر قد أدبر . «المستسلم للدّهر» ، هذا آكد من قوله : «المقرّ للزّمان» ؛ لأنّه قد يقرّ الإنسان لخصمه ولا يستسلم . «الذام للدّنيا» ، هذا وصف لم يستحدثه عند الكِبر ، بل لم يزل عليه ، ولكن يجوز أن يزيد ذمّه لها ؛ لأنّ الشيخ تنقص قواه التي يستعين بها على الدنيا والدين جميعا ، ولا يزال يتأفّف من الدنيا . قوله : «الساكن مساكن الموتى» ، إشعار بأنه سيموت ، وهذا من قوله تعالى : «وَسَكَنتُمْ فِي مَساكِنِ الّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ»۱ .
قوله : «الظاعن عنها غدا» ، لا يريد الغدَ بعينه ، بل يريد قُرْب الرّحيل والظَّعْن . وهذا الكلام من أمير المؤمنين عليه السلام كلام مَنْ قد أيقن بالفراق ، ولا ريب في ظهور الاستكانة والخضوع عليه ، ويدل أيضا على كرب وضيق عَطَنٍ ؛ لكونه لم يبلغ أربه من حرْب أهل الشام ، وانعكس ما قدّره بتخاذل أصحابه عنه ، ونفوذ حكم عمرو بن العاص فيه لحمق أبي

1.سورة ابراهيم ۴۵ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 218416
صفحه از 800
پرینت  ارسال به