213
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

قوله : «فتكون كالصّعب النَّفور» ، أي كالبعير الصعب الذي لا يُمكِن راكباً ، وهو مع ذلك نفور عن الأنس . ثم ذكر أنّ التعلّم إنما هو في الصبى ، وفي المثل : «الغلام كالطّين يقبل الختم مادام رطباً» . ومثّل هو عليه السلام قلْب الحدَث بالأرض الخالية ، ما أُلقي فيها من شيء قبلته ، وكان يقال : التعلّم في الصغر كالنقش في الحجر ، والتعلم في الكبر كالخطّ على الماء . قوله : «فأتاك من ذلك ما كنّا نأتيه» ، أي الّذي كنّا نحن نتجشم المشقّة في اكتسابه ، ونتكلّف طلبه ؛ يأتيك أنت الآن صَفوا عَفوا .

الأصْلُ:

۰.أَيْ بُنَيَّ ، إِنِّي وَإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي ، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ ؛ حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ ؛ بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ ؛ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ ؛ فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذلِكَ مِنْ كَدَرِهِ ، وَنَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ ؛ فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ جَلِيلَهُ ، وَتَوَخَّيْتُ لَكَ جَمِيلَهُ ، وَصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ ، وَرَأَيْتُ حَيْثُ عَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِي الْوَالِدَ الشَّفِيقَ ، وَأَجْمَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَبِكَ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ وَأَنْتَ مُقْبِلُ الْعُمُرِ وَمُقْتَبَلُ الدَّهْرِ ، ذُو نِيَّةٍ سَلِيمَةٍ ، وَنَفْس صَافِيَةٍ ، وَأَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتَابِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَأْوِيلِهِ ، وَشَرَائِعِ الاْءِسْلاَمِ وَأَحْكَامِهِ ، وَحَلاَلِهِ وَحَرَامِهِ ، لاَ أُجَاوِزُ ذلِكَ بَكَ إِلَى غَيْرِهِ . ثُمَّ أَشْفَقْتُ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْكَ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَهْوَائِهِمْ وَآرَائِهِمْ ، مِثْلَ الَّذِي الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ ، فَكَانَ إِحَكَامُ ذلِكَ عَلَى مَا كَرِهْتُ مِنْ تَنْبِيهِكَ لَهُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ إِسْلاَمِكَ إِلَى أَمْرٍ لاَآمَنُ عَلَيْكَ بِهِ الْهَلَكَةَ ، وَرَجَوْتُ أَنْ يُوَفِّقَكَ اللّهُ فِيهِ لِرُشْدِكَ ، وَأَنْ يَهْدِيَكَ لِقَصْدِكَ ، فَعَهِدْتُ إِلَيْكَ وَصِيَّتِي هذِهِ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
212

بأن يطلب الخيرَة من اللّه فيما يأتي ويذر . قوله : «لا خير في علم لا ينفع» قول حقّ ، لأنّه إذا لم ينفع كان عبثا . «ولا ينتفع بعلم لا يحقُّ تعلمه» أي لا يجب ولا يندب إليه ؛ وذلك لأنّ النفع إنما هو نفع الآخرة ، فما لم يكن من العلوم مرغباً فيه إمّا بإيجاب أو ندب فلا انتفاع به في الآخرة ، وذلك كعلم الهندسة والأرثماطيقيّ ونحوهما .

الأصْلُ:

۰.أَيْ بُنَيَّ ، إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً ، وَرَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْناً ، بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ ، وَأَوْرَدْتُ خِصَالاً مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي ، أَوْ أَنْ أُنْقَصَ فِي رَأيِي كَمَا نُقِصْتُ فِي جِسْمِي ، أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَى وَفِتَنِ الدُّنْيَا ، فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ .
وَإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالْأَرْض الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيءٍ قَبِلَتْهُ ؛ فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُو قَلْبُكَ ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ ، لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأيِكَ مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ ، فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَؤونَةَ الطَّلَبِ ، وَعُوفِيتَ مِنْ عِلاَجِ التَّجْرِبَةِ ، فَأَتَاكَ مِنْ ذلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأتِيهِ ، وَاسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ .

الشّرْحُ:

هذه الوصيّة كتبها عليه السلام للحسن بعد أن تجاوز الستين ، وروي أنه ذُكر عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمما بين الستّين والسبعين ، فقال : «معترك المنايا» .
قوله عليه السلام «أو أن أُنقص في رأيي» ، هذا يدلّ على بطلان قول من قال : إنّه لا يجوز أن ينقص في رأيه ، وأن الإمام معصوم عن أمثال ذلك ۱ .

1.عقيدتنا في الامام عليه السلام أنّه كالنبي صلى الله عليه و آله وسلم يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن ، بل المنقّصات المنفّرة ، وغلبات الهوى ... الخ من سنّ الطفولة إلى الموت عمدا وسهوا ، خطأ ونسيانا . لأنّ الإمام حافظ الشريعة ، حاله حال النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، قائم مقامه في جميع شؤونه إلاّ تلقي الوحي . وليس المراد (بنقصان الرأي) هنا فساد العقل ، بل كلّ ما يحول بين المرء والتعبير عن رأيه . كما أن الإمام لا يغلبه الهوى ، ولا تفتنه الدنيا ، كيف والإمام عليه السلام طلّقها ثلاثا قولاً وعملاً . ولكن هذا من باب هظم النفس والتواضع الذي عرف به عليه السلام وهي لغة القدّيسين وأولياء اللّه سبحانه ، ومن قبله قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : «وإنّا أو إيّاكم لعلى هُدًى أو في ضلال مبين» سبأ ۲۴ . وقال نوح عليه السلام : «وإلاّ تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين» هود ۴۷ . ولكن ابن أبي الحديد يؤوّل النصوص بحسب هواه ، ومذهب أصحابه .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 218385
صفحه از 800
پرینت  ارسال به