219
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب أنبياء بني إسرائيل لم تتضمّن من الأُمور الإلهية ما تضمنه القرآن ، وخصوصا في أمر المعاد .
ثم ذكر له أنه أنصحُ له من كلّ أحد ؛ وأنه ليس يبلغ وإن اجتهد في النظر لنفسه ما يبلغه هو عليه السلام له ، لشدة حبّه له وإيثاره مصلحته . وقوله : «لم آلك نصحا» لم أقصّر في نصحك ، ألى الرجل في كذا يألو أي قصّر فهو آلٍ والفعل لازم ، ولكنه حذف اللام فوصل الفعل إلى الضمير فنصبه ، وكان أصله : لا آلو لك نصحا ، ونصحا منصوب على التمييز .
قوله : «ومنه شفقتك» ، أي خوفك . ورائد : أصله الرجل يتقدّم القوم فيرتاد بهم المرعى .

الأصْلُ:

۰.وَاعْلَمْ يَابُنَيَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لَأَتَتْكَ رُسُلُهُ ، وَلَرَأَيْتَ آثَارَ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ ، وَلَعَرْفْتَ أَفْعَالَهُ وَصِفَاتِهِ ، وَلكِنَّهُ إِلهٌ وَاحِدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ ، لاَ يُضَادُّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ ، وَلاَ يَزُولُ أَبَداً وَلَمْ يَزَلْ ، أَوَّلٌ قَبْلَ الْأَشْيَاءِ بِلاَ أَوَّلِيَّةٍ ، وَآخِرٌ بَعْدَ الْأَشْيَاءِ بَلاَ نِهَايَةٍ ، عَظُمَ عَنْ أَنْ تَثْبُتَ رُبُوبِيَّتُهُ بَإِحَاطَةِ قَلْبٍ أَوْ بَصَرٍ .
فَإِذَا عَرَفْتَ ذلِكَ فَافْعَلْ كَمَا يَنْبَغِي لِمِثْلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي صِغَرِ خَطَرِهِ ، وَقِلَّةِ مَقْدُرَتِهِ ، وَكَثْرَةِ عَجْزِهِ ، وَعَظِيمِ حَاجَتِهِ إِلَى رَبِّهِ ، فِي طَلَبِ طَاعَتِهِ ، وَالْخَشْيَةِ مِنْ عُقُوبَتِهِ ، وَالشَّفَقَةِ مِنْ سُخْطِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَأَمُرْكَ إِلاَّ بِحَسَنٍ ، وَلَمْ يَنْهَكَ إِلاَّ عَنْ قَبِيحٍ .

الشّرْحُ:

يمكن أن يستدلّ بهذا الكلام على نفى الثاني من وجهين :
أحدهما : أنّه لو كان في الوجود ثانٍ للباري تعالى لما كان القول بالوحدانيّة حقّا ، بل كان الحقّ هو القول بالتثنية ، ومحال ألا يكون ذلك الثاني حكيما ، ولو كان الحقّ هو إثبات ثانٍ حَكِيم لوجب أن يبعث رسولاً يدعُو المكلّفين إلى التثنية ، لأنّ الأنبياء كلّهم دعوا إلى التّوحيد ، لكن التوحيد على هذا الفرض ضلالٌ ، فيجب على الثاني الحكيم أن يبعث من ينبّه المكلّفين على ذلك الضلال ويرشدهم إلى الحق وهو إثبات الثاني ، وإلاّ كان منسوبا في


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
218

أن يستوفي البعض ويسقط البعْض ، وقد روي «أو بما شاء» بالباء الزائدة ، وروي «بما لا يعلم » . وأمّا الثواب فلا يجوز أن يجازي به المحسن في الدّنيا ؛ لأنّه على صفة لا يمكن أن تجامع التكليف ، فيحمل لفظ الجزاء على جزاء العقاب خاصة .
ثم أعاد عليه السلام وصيته الأولى ، فقال : وإن أشكل عليك شيء من أمر القضاء والقَدر ، وهو كون الكافر مخصوصا بالنعماء والمؤمن مخصوصا بضرب من الابتلاء ، وكون الجزاء قد يكون في المعاد ، وقد يكون في غير المعاد ، فلا تقدحنّ جهالتك به في سكون قلبك إلى ما عرفتك جملته ، وهو أنّ اللّه تعالى هو المحيي المميت ، المفني المعيد ، المبتلي المعافي ، وأنّ الدنيا بنيت على الابتلاء والإنعام ، وأنهما لمصالح وأُمور يستأثر اللّه تعالى بعلمها ، وأنه يجازي عباده إمّا في الآخرة أو غير الآخرة ، على حسب ما يريده ويختاره .
ثم قال له : إنما خلقت في مبدأ خلقتك جاهلاً ، فلا تطلبن نفسك غاية من العلم لا وصول لها إليها ، أو لها إليها وصول بعد أُمور صعبة ، ومتاعب شديدة ، فمن خلق جاهلاً حقيق أن يكون جهله مدّة عمره أكثر من علمه استصحابا للأصل .
ثم أراد أن يؤنسه بكلمة استدرك بها إيحاشه ، فقال له : وعساك إذا جهلت شيئا من ذلك أن تعلمه فيما بعد ، فما أكثر ما تجهل من الأُمور وتتحير فيه ، ثم تبصره وتعرفه ! وهذا من الطِّبّ اللطيف ، والرُّقَى الناجعة ، والسحر الحلال .

الأصْلُ:

۰.فَاعْتَصِمْ بِالَّذِي خَلَقَكَ وَرَزَقَكَ وَسَوَّاكَ ، وَلْيَكُنْ لَهُ تَعَبُّدُكَ ، وَإِلَيْهِ رَغْبَتُكَ ، وَمِنْهُ شَفَقَتُكَ .
وَاعْلَمْ يَابُنَيَّ أَنَّ أَحَداً لَمْ يُنْبِئْ عَنِ اللّهِ سُبْحَانَهُ كَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ نَبيُّنا صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ؛ فَارْضَ بِهِ رَائِداً ، وَإِلَى النَّجَاةِ قَائِداً ، فَإِنِّي لَمْ آلُكَ نَصِيحَةً ، وَإِنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ فِي النَّظَرِ لِنَفْسِكَ - وَإِنِ اجْتَهَدْتَ - مَبْلَغَ نَظَرِي لَكَ .

الشّرْحُ:

عاد إلى أمره باتّباع الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ، وأن يعتمد على السمع وما وردت به الشريعة ، ونطق به الكتاب ، وقال له : إنّ أحدا لم يخبر عن اللّه تعالى كما أخبر عنه نبينا صلى الله عليه و آله وسلم ؛ وصدق عليه السلام ! فإنّ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 218344
صفحه از 800
پرینت  ارسال به