225
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

واعلم أنّ في قوله : «قد أذن لك في الدعاء ، وتكفّل لك بالإجابة» إشارة إلى قوله تعالى : «ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ»۱ . وفي قوله : «وأمرك أن تسأله ليعطيَك» إشارة إلى قوله : «واسْألوا اللّهَ مِنْ فضله»۲ . وفي قوله : «وتسترحمه ليرحمك» إشارة إلى قوله : «وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»۳ .
وفي قوله : «ولم يمنعك إن أسأت من التوبة» إشارة إلى قوله : «إلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحا فَأُولئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللّهُ غَفُورا رَحِيما»۴ .

الأصْلُ:

۰.وَاعْلَمْ يَا بُنيَّ أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِلاْخِرَةِ لاَ لِلدُّنْيَا ، وَلِلْفَنَاءِ لاَ لِلْبَقَاءِ ، وَلِلْمَوْتِ لاَ لِلْحَيَاةِ ؛ وَأَنَّكَ فِي مَنزِلِ قُلْعَةٍ ، وَدَارِ بُلْغَةٍ ، وَطرِيقٍ إِلَى الآخِرَةِ ، وَأَنَّكَ طَرِيدُ الْمَوْتِ الَّذِي لاَ يَنْجُو مِنْهُ هَارِبُهُ ، وَلاَ يَفُوتُهُ طَالِبُهُ ، وَلاَ بُدَّ أَنَّهُ مُدْرِكُهُ ، فَكُنْ مِنْهُ عَلَى حَذرِ أَنْ يُدْرِكَكَ وَأَنْتَ عَلَى حَالٍ سَيِّئَةٍ ؛ قَدْ كُنْتَ تُحَدِّثُ نفْسَكَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ ، فَيَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذلِكَ ، فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَكتَ نَفْسَكَ .
يَا بُنَيَّ أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَذِكْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ ، وَتُفْضِي بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَيْهِ ، حَتَّى يَأْتِيَكَ وَقَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَكَ ، وَشَدَدْتَ لَهُ أَزْرَكَ ، وَلاَ يَأْتِيَكَ بَغْتَةً فَيَبْهَرَكَ . وَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلاَدِ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَيْهَا ، وَتَكَالُبِهِمْ عَلَيْهَا ، فَقَدْ نَبَّأَكَ اللّهُ عَنْهَا ، وَنَعَتَتْ هِيَ لَكَ نَفْسِهَا ، وَتَكَشَّفَتْ لَكَ عَنْ مَسَاوِيهَا ، فَإِنَّمَا أَهْلُهَا كِلاَبٌ عَاوِيَةٌ ، وَسِبَاعٌ ضَارِيَةٌ ، يَهِرُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْض ، وَيَأْكُلُ عَزِيزُهَا ذَلِيلَهَا ، وَيَقْهَرُ كَبِيرُهَا صَغِيرَهَا . نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ ، وَأُخْرَى مُهْمَلَةٌ ، قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَهَا ، وَرَكِبَتْ مَجْهُولَهَا . سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ

1.سورة غافر ۶۰ .

2.سورة النساء ۳۲ .

3.سورة الأنفال ۳۳ .

4.سورة الفرقان ۷۰ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
224

ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفاتِيحَ خَزائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيهِ مِنْ مَسْأَلتِهِ ؛ فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِهِ ، وَاسْتَمْطَرْتَ شآبِيبَ رَحْمَتِهِ ، فَلاَ يُقَنِّطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ ، فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ ، وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الاْءِجَابَةُ ، لِيَكُونَ ذلِكَ أَعْظمَ لِأَجْرِ السَّائِلِ ، وَأَجْزَلَ لِعَطَاءِ الآمِلِ . وَرُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْءَ فَـلاَ تُؤتَاهُ ، وَأُوتِيتَ خَيْراً مِنْهُ عَاجِلاً أَوْ آجِلاً ، أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ ، فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلاَكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ ، فَلْتَكُنْ مَسَأَلَتُكَ فِيَما يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ ، وَيُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ ؛ فَالْمَالُ لاَ يَبْقَى لَكَ وَلاَ تَبْقَى لَهُ .

الشّرْحُ:

قوله : «بل جعل نزوعك عن الذنب حسنة» ، هذا متَّفق عليه بين أصحابنا ، وهو أنّ تارك القبيح ؛ لأنّه قبيح يستحقّ الثواب . «وحسب سيئتك واحدة وحسب حسنتك عشراً» ؛ هذا إشارة إلى قوله تعالى : «مَنْ جَاءَ بِالحَسَنةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إلاَّ مِثْلَهَا»۱ . قوله : «وأبثثته ذات نفسك» ، أي حاجتك .
ثم ذكر له وجوهاً في سبب إبطاء الإجابة :
منها أنّ ذلك أمر عائد إلى النيَّة ، فلعلَّها لم تكن خالصة .
ومنها أنه ربما أخرت ليكون أعظم لأجر السائل ؛ لأنّ الثواب على قدر المشقة .
ومنها أنّه ربما أخّرت ليعطى السائل خيرا مما سأل ، إمّا عاجلاً أو آجلاً ؛ أو في الحالين .
ومنها أنه ربّما صرف ذلك عن السائل ؛ لأنّ في إعطائه إيّاه مفسدة في الدين .
قوله : «فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له» ، لفظ شريف فصيح ، ومعنى صادق محقّق فيه عظة بالغة ؛ وقال أبو الطيب :

أيْنَ الجبابرةُ الأكاسرَة الأُلَىكنزُوا الكُنوز فما بَقِينَ وَلاَ بَقُوا۲
ويروى : «من يحجبه عنك» . وروي : «حيث الفضيحة» ، أي حيث الفضيحة موجودة منك.

1.سورة الأنعام ۱۶۰ .

2.ديوانه ۲ : ۳۳۴ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 218288
صفحه از 800
پرینت  ارسال به