233
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

ورابعها ـ قوله : «إياك وأن تجمحَ بك مطيّة اللجاج» ، هذا استعارة ، وفي المثل : ألجّ من خنفساء ، وألجّ من زُنبور . وكان يقال : اللّجاج من القِحة ، والقِحة من قلّة الحياء ، وقلّة الحياء من قلّة المروءة ، وفي المثل : لجّ صاحبك فحُجّ .
وخامسها ـ قوله : «احمل نفسك من أخيك» ، إلى قوله : «أو تفعله بغير أهله » اللّطَف ، بفتح اللام والطاء ، الاسم من ألطفه بكذا أي برّه به ، وجاءتنا لُطفة من فلان أي هديّة ، والملاطفة المبارّة . وروي «عن اللّطْف» وهو الرفق للأمر ؛ والمعنى أنّه أوصاه إذا قطعه أخوه أن يصله ، وإذا جفاه أن يبرّه ، وإذا بخل عليه أن يجود عليه ، إلى آخر الوصاة . ثم قال له : «لا تفعل ذلك مع غير أهله» .
وسادسها ـ قوله : «لا تتخذنّ عدوّ صديقك صديقا فتعادي صديقك» ، قد قال الناس في هذا المعنى فأكثروا ، قال بعضهم :

إذا صافى صديقُك مَنْ تعادِيفقد عاداك وانقطَعَ الكلامُ
وقال آخر :

صديقُ صديقِي داخلٌ في صداقتِيوخصمُ صديقي ليس لي بصديقِ
وسابعها ـ قوله : «وامحض أخاك النصيحة ، حسنة كانت أو قبيحة» ؛ ليس يعني عليه السلام بقبيحة هاهنا القبيح الذي يستحق به الذم والعقاب ؛ وإنّما يريد نافعة له في العاجل كانت أو ضارة له في الآجِل ، فعبّر عن النفع والضرر بالحسن والقبيح ، كقوله تعالى : «وَإنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ إذَا هُمْ يَقْنَطُونَ» 1 . وقد فسّره قوم فقالوا : أراد : كانت نافعة لك أو ضارّة لك . ويحتمل تفسير آخر وهو وصيّته إيّاه أن يمحض أخاه النصيحة سواء كانت ممّا لا يستحيا من ذكرها وشياعها ، أو كانت مما يستحيا من ذكرها واستفاضتها بين الناس ، كمن ينصح صديقه في أهله ويشير عليه بفراقهم لفجور اطّلع عليه منهم ؛ فإنّ النّاس يسمون مثل هذا إذا شاع قبيحا .
وثامنها ـ قوله : «تجرّع الغيظ فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة ولا ألذّ مغبّة » هذا مثْل قولهم : الحلم مرارة ساعة ، وحلاوة الدهر كلّه . وكان يقال : التذلّل للناس مصايد الشرف .
وتاسعها ـ قوله : «لِنْ لمن غالظك ، فإنّه يوشك أن يلين لك» ، هذا مثل المثل المشهور : إذا عزّ أخوك فهُنْ ، والأصل في هذا قولُه تعالى : «ادْفَع بالَّتي هِيَ أحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ

1.سورة الروم ۳۶ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
232

فَتُعَادِيَ صَدِيقَكَ ، وَامْحَضْ أَخَاكَ النَّصِيحَةَ ؛ حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ قَبِيحَةً ، وَتَجَرَّعِ الْغَيْظَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ جُرْعَةً أَحْلَى مِنْهَا عَاقِبَةً ، وَلاَ أَلَذَّ مَغَبَّةً . وَلِنْ لِمَنْ غَالَظَكَ ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَلِينَ لَكَ ، وَخُذْ عَلَى عَدُوِّكَ بِالْفَضْلِ فإِنَّهُ أَحْلَى الظَّفَرَيْنِ . وَإِنْ أَرَدْتَ قَطِيعَةَ أَخِيكَ فَاسْتَبْقِ لَهُ مِنْ نَفْسِكَ بَقِيَّةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا إِنْ بَدَا لَهُ ذلِكَ يَوْماً مَّا . وَمَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَنَّهُ ، وَلاَ تُضِيعَنَّ حَقَّ أَخِيكَ اتِّكَالاً عَلَى مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ بِأَخٍ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّهُ . وَلاَ يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ ، وَلاَ تَرْغَبَنَّ فِيمَنْ زَهِدَ عَنْكَ ، وَلاَ يَكُونَنَّ أَخُوكَ أَقْوَى عَلَى قَطِيعَتِكَ مِنْكَ عَلَى صِلَتِهِ ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَى الاْءِسَاءَةِ أَقْوَى مِنْكَ عَلَى الاْءِحْسَانِ . وَلاَ يَكْبُرَنَّ عَلَيْكَ ظُلْمُ مَنْ ظَلَمَكَ ، فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي مَضَرَّتِهِ وَنَفْعِكَ ، وَلَيْسَ جَزَاءُ مَنْ سَرَّكَ أَنْ تَسُوءَهُ .

الشّرْحُ:

هذا الفصل قد اشتمل على كثير من الأمثال الحكيمة :
فأوّلها ـ قوله : «لا خير في معين مهين ، ولا في صديق ظنين» ، مثل الكلمة الأُولى قولهم :

إذا تكفّيْتَ بغير كافِوجدتَه للهمّ غيرَ شافِ
ومن الكلمة الثانية أخذ الشاعر قوله :

فإنّ من الإخوان مَنْ شَحَط النَّوىبه وهو راعٍ للوصال أمينُ
ومنهم صديق العين أمّا لقاؤهفحُلْوٌ وأمّا غيبُه فظنِينُ
وثانيها ـ قوله : «ساهل الدهر ما ذلّ لك قَعُوده» ؛ هذا استعارة ، والقَعُود البَكْر حين يمكّن ظهره من الركوب إلى أن يثنى ، ومثل هذا المعنى قولهم في المثل : مَنْ ناطح الدّهر أصبح أجمّ . ومثله :

إذا الدهر أعطاك العِنان فسِرْ بِهِرويدا ولا تعنُفْ فيصبح شامِسَا
وثالثها ـ قوله : «لا تخاطر بشيء رجاءَ أكثر منه» ، هذا مثل قولهم : مَن طلب الفضل ، حُرِم الأصل .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 218235
صفحه از 800
پرینت  ارسال به