235
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

وسادس عشرها ـ قوله : «لا يكبرنّ عليك ظُلْم مَنْ ظلمك ، فإنّه يسعى في مضرته ونفعك وليس جزاء من سرّك أن تسوءه» ، وقوله عليه السلام : «وليس جزاء من سرّك أن تسوءه» ، يقول : لا تنتقم ممن ظلمك فإنه قد نفعك في الآخرة بظلمه لك ، وليس جزاء مَنْ ينفع إنسانا أن يسيء إليه . وهذا مقام جليل لا يقدر عليه إلاّ الأفراد من الأولياء الأبرار .
ومن الناس من يجعل قوله عليه السلام : «وليس جزاء من سرك أن تسوءه» ، كلمة مفردة مستقلّة بنفسها ، ليست من تمام الكلام الأول ، والصحيح ما ذكرناه .
وسابع عشرها ـ ومن حقه أن يقدم ذكره قوله : «ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك» ، هذا كما يقال في المثل : من شؤم الساحرة أنّها أول ما تبدأ بأهلها ، والمراد من هذه الكلمة النّهي عن قطيعة الرّحِم وإقصاء الأهل وحرمانهم ، وفي الخبر المرفوع : «صلوا أرحامكم ولَوْ بالسلام» .

الأصْلُ:

۰.وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ الرِّزْقَ رِزْقَانِ : رِزْقٌ تَطْلُبُهُ ، وَرِزْقٌ يَطْلُبُكَ ، فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاكَ . مَا أَقْبَحَ الْخُضُوعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، وَالْجَفَاءَ عِنْدَ الْغِنَى ! إِنَّمَا لَكَ مِنْ دُنْيَاكَ ، مَا أَصْلَحْتَ بِهِ مَثْوَاكَ ، وَإِنْ كُنْتَ جَازِعاً عَلَى مَا تَفَلَّتَ مِنْ يَدَيْكَ ، فَاجْزَعْ عَلَى كُلِّ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْكَ . اسْتَدِل عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ ، فَإِنَّ الْأُمُورَ أَشْبَاهٌ ؛ وَلاَ تَكُونَنَّ مِمَّنْ لاَ تَنْفَعُهُ الْعِظَةُ إِلاَّ إِذَا بَالَغْتَ فِي إِيلاَمِهِ ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَتَّعِظُ بِالآدَابِ ، وَالْبَهَائِمَ لاَ تَتَّعِظُ إِلاَّ بِالضَّرْبِ . اِطْرَحْ عَنْكَ وَارِدَاتِ الْهُمُومِ بِعَزَائِمِ الصَّبْرِ وَحُسْنِ الْيَقِينِ . مَنْ تَرَكَ الْقَصْدَ جَارَ ، وَالصَّاحِبُ مُنَاسِبٌ ، وَالصَّدِيقُ مَنْ صَدَقَ غَيْبُهُ . وَالْهَوَى شَرِيكُ الْعَمَى ، وَرُبَّ بَعِيدٍ أَقْرَبُ مِنْ قَرِيبٍ ، وَقَرِيبٍ أَبْعَدُ مِنْ بَعِيدٍ ، وَالْغَرِيبُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبِيبٌ . مَنْ تَعَدَّى الْحَقِّ ضَاقَ مَذْهَبُهُ ، وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِهِ كَانَ أَبْقَى لَهُ . وَأَوْثَقُ سَبَبٍ أَخَذْتَ بِهِ سَبَبٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللّهِ سُبْحَانَهُ . وَمَنْ لَمْ يُبَالِكَ فَهُوَ عَدُوُّكَ . قَدْ يَكُونُ الْيَأْسُ إِدْرَاكاً ، إِذَا كَانَ الطَّمَعُ هَلاَكاً . لَيْسَ كُلُّ عَوْرَةٍ تَظْهَرُ ، وَلاَ كُلُّ فُرْصَةٍ تُصَابُ ، وَرُبَّمَا أَخْطَأَ الْبَصِيرُ قَصْدَهُ ، وَأَصَابَ الْأَعْمَى رُشْدَهُ . أَخِّرِ الشَّرَّ فَإِنَّكَ إِذَا شِئْتَ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
234

وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كأَنَّه وَلِيٌّ حَمِيمٌ» 1 .
وعاشرها ـ قوله : «خذ على عدوِّك بالفضل فإنّه أحد الظَّفَرين» ، هذا معنى مليح ، ومنه قول ابن هانئ في المعزّ :

ضَرّابُ هامِ الرّومِ منتقما وفيأعناقهم من جُودِهِ أعبَاءُ
لولا انبعاث السّيف وهو مسلّطٌفي قتلهم قتَلتْهُم النَّعماءُ
وحادي عشرها ـ قوله : «إنْ أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقيّة يرجع إليها إن بدَا ذلك له يوما» ، هذا مثْل قولهم : أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغِض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبَك يوما ما . وما كانَ يقول : إذا هويت فلا تكن غاليا ، وإذا تركت فلا تكن قالياً .
وثاني عشرها ـ قوله : «مَنْ ظنّ بك خيراً فصدّق ظنّه» ، كثير من أرباب الهمم يفعلون هذا ، يقال لمن قد شد طرفا من العلم : هذا عالم ، هذا فاضل ، فيدعوه ما ظنّ فيه من ذلك إلى تحقيقه ، فيواظب على الاشتغال بالعلم حتى يصير عالماً فاضلاً حقيقة .
وثالث عشرها ـ قوله «ولا تضيعنّ حقّ أخيك اتّكالاً على ما بينك وبينه ، فإنه ليس لك بأخٍ من أضعت حقّه» ، من هذا النحو قول الشاعر :

إذا خنتُم بالغيْب عهدِي فما لكمتُدِلّون إدلالَ المقيم على العهدِ
صِلُوا وافعلوا فعلَ المدِلّ بوصِلِهوإلاّ فصُدّوا وافعلوا فعلَ ذي الصّدِّ
وكان يقال : إضاعة الحقوق ، داعية العقوق .
ورابع عشرها ـ قوله : «لا ترغبنّ فيمن زهد فيك» ، الرغبة في الزاهد هي الداء العياء . قال العباس بن الأحنف :

مازِلْتُ أزْهَدُ في مودّةِ راغبٍحتى ابتليت برغبةٍ في زاهدِ
هذا هو الدّاء الّذِي ضاقت بهحِيَلُ الطبيب وطال يأس العائدِ
وخامس عشرها ـ قوله : «لا يكوننّ أخوك أقوى على قطعيتك منك على صلته ، ولا تكوننّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان» ، هذا أمر له بأن يصل مَنْ قطعه ، وأن يحسن إلى من أساء إليه .

1.سورة فصلت ۳۴ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 218196
صفحه از 800
پرینت  ارسال به