237
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

ومنها قوله : «ولا تكونَنّ ممّن لا تنفعه العظة ...» إلى قوله : «إلاّ بالضرب» ، هو قول الشاعر :

العبد يُقَرع بالعصَاوالحرّ تكفيه الملامهْ۱
وكان يقال : اللئيم كالعبد ، والعبد كالبهيمة عَتْبها ضربُها .
ومنها قوله : «اطّرح عنك واردات الهموم بحسن الصبر وكرم العزاء» ، هذا كلام شريف فصيح عظيم النفع والفائدة .
ومنها قوله : «مَنْ ترك القصد جار» ، القصد الطريق المعتدل ، يعني أنّ خير الأُمور أوسطها ، فإن الفضائل تحيط بها الرذائل فمن تعدّى هذه يسيرا وقع في هذه .
ومنها قوله : «الصاحب مناسب» ، كان يقال : الصديق نسيب الروح ، والأخ نسيب البدن .
ومنها قوله : «الصديق مَنْ صدق غيبه» ، من هاهنا أخذ أبو نواس قوله :

هل لك والْهَلّ خَبَرْفيمن إذا غبتَ حضرْ
أو مالَكَ اليوم أَثَرْفإن رأى خيراً شَكَرْ
* أو كان تقصير عَذَرْ *
ومنها قوله : «الهوى شريك العمى» ، هذا مِثلُ قولهم : حبُّك الشيء يُعمِي ويُصِمّ قال الشاعر :

وَعَيْنُ الرّضا عن كلِّ عيب كليلةٌكما أنّ عينَ السُّخط تُبْدِيالمَسَاويَا۲
ومنها قوله : «ربّ بعيد أقرب من قريب ، وقريب أبعد من بعيد» ، هذا معنى مطروق ، قال الشاعر :

لعمركَ ما يضرّ البُعدُ يوماإذَا دَنَت القلوبُ من القلوبِ
ومنها قوله «والغريب من لم يكن له حبيب» يريد بالحبيب هاهنا المحبّ لا المحبوب .
ومنها قوله : «مَنْ تعدّى الحقّ ضاق بمذهبه» ، يريد بمذهبه هاهنا طريقته ، وهذه استعارة ، ومعناه أنّ طريق الحقّ لا مشقّة فيها لسالكها ، وطرق الباطل فيها المشاقّ والمضارّ ، وكأن سالكها سالك طريقة ضيّقة يتعثّر فيها ، ويتخبّط في سلوكها .
ومنها قوله : «مَنْ اقتصر على قدره كانَ أبقى له» ، هذا مثل قوله : «رحم اللّه امرأ عرف

1.لابن مفرغ ، الشعر والشعراء ۳۱۵ .

2.لعبد اللّه بن معاوية ، الأغاني ۱۲:۲۱۴ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
236

تَعَجَّلْتَهُ ، وَقَطِيعَةُ الْجَاهِلِ تَعْدِلُ صِلَةَ الْعَاقِلِ . مَنْ أَمِنَ الزَّمَانَ خَانَهُ ، وَمَنْ أَعْظَمَهُ أَهَانَهُ . لَيْسَ كُلُّ مَنْ رَمَى أَصَابَ . إِذَا تَغَيَّرَ السُّلْطَانُ تَغَيَّرَ الزَّمَانُ . سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ ، وَعَنِ الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ .

الشّرْحُ:

واعلم أنّ هذا الفصل يشتمل على نكت كثيرة حكمية :
منها قوله «الرزق رزقان : رزق تطلبه ، ورزق يطلبك» ، وهذا حقّ ؛ لأنّ ذلك إنّما يكون على حسب ما يعلمه اللّه تعالى من مصلحة المكلّف ، فتارةً يأتيه الرزق بغير اكتساب ولا تكلّف حركة ، ولا تجشّم سَعْي ، وتارة يكون الأمر بالعكس . وأمّا الرّزق الذي يطلبه الإنسان ويسعى إليه فهو كثير جدا لا يحصى .
ومنها قوله : «ما أقبح الخضوع عند الحاجة ، والجفاء عند الغنى» ! هذا من قول اللّه تعالى : «حَتَّى إذَا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أنّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ * فَلمَّا أنْجَاهُمْ إذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِالحَقِّ»۱ .
ومنها قوله : «إنّما لك من دنياك ، ما أصلحت به مثواك» ، هذا من كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : «يابن آدم ، ليس لك من مالك إلاّ ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدّقت فأبقيت» .
ومنها قوله : «وإن كنت جازعا على ما تفلّت من يديك ، فاجْزَع على كلّ ما لم يصل إليك» ، يقول : لا ينبغي أنْ تجزَعَ على ما ذهب من مالك ، كما لا ينبغي أن تجزع على ما فاتك من المنافع والمكاسب ؛ فإنّه لا فرق بينهما ، إلاّ أنّ هذا حصل ، وذاك لم يحصل بعد ؛ وهذا فرق غير مؤثّر ؛ لأنّ الذي تظنّ أنه حاصل لك غير حاصل في الحقيقة ، وإنما الحاصل على الحقيقة ما أكلتَه ولبستَه ، وأمّا القنيات والمدّخرات فلعلّها ليست لك .
ومنها قوله : «استدلّ على ما لم يكن بما كان ، فإن الأُمور أشباه» يقال : إذا شئت أن تنظر للدنيا بعدك فانظرها بعد غيرك .

1.سورة يونس ۲۲ ، ۲۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 218184
صفحه از 800
پرینت  ارسال به