239
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

فلست بمستطيع للحسنة في كلّ وقت ، وأنت على الإساءة متى شئت قادر .
ومنها قوله : «قطيعة الجاهل تعدل صِلة العاقل» ، هذا حق ؛ لأنّ الجاهل إذا قطعك انتفعت ببعده عنك ، كما تنتفع بمواصلة الصديق العاقل لك .
ومنها قوله : «منْ أمن الزمان خانه ، ومن أعظمه هانه» ، مثل الكلمة الأُولى قول الشاعر :

ومَنْ يأمن الدّنيا يكن مثل قابضٍعلى الماء خَانتْهُ فروجُ الأنامِل
وقالوا : احذر الدنيا ما استقامتْ لك . ومن الأمثال الحكمية : من أمن الزمان ضيّع ثغرا مَخُوفا . ومثل الكلمة الثانية قولهم : الدنيا كالأمة اللئيمة المعشوقة ، كلما ازددت لها عشقا وعليها تهالُكا ازدادت لك إذلالاً ، وعليك شطاطاً .
ومنها قوله : «سل عن الرفيق قبل الطريق ؛ وعن الجار قبل الدار» ، وقد روي هذا الكلام مرفوعا ، وفي المثل : جار السوء كلب هارش ، وأفعى ناهش .

الأصْلُ:

۰.إِيَّاكَ أَنْ تَذْكُرَ مِنَ الْكَـلاَمِ مَا يَكُونُ مُضْحِكاً ، وَإِنْ حَكَيْتَ ذلِكَ عَنْ غَيْرِكَ . وَإِيَّاكَ وَمُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ فَإِنَّ رَأَيَهُنَّ إِلَى أَفْنٍ ، وَعَزْمَهُنَّ إِلَى وَهْنٍ ، وَاكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَّاهُنَّ ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ أَبْقَى عَلَيْهِنَّ ، وَلَيَسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مِنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لاَ يُوثَقُ بِهِ عَلَيْهِنَّ ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلاَّ يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ . وَلاَ تُمَلِّكِ الْمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ ، وَلَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ . وَلاَ تَعْدُ بِكَرَامَتِهَا نَفْسَهَا ، وَلاَ تُطْمِعْهَا فِي أَنْ تَشْفَعَ لِغَيْرِهَا . وَإِيَّاكَ وَالتَّغايُرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ غَيْرَةٍ ، فَإِنَّ ذلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ إِلَى السَّقَمِ ، وَالْبَرِيئَةَ إِلَى الرِّيَبِ . وَاجْعَلْ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ خَدَمِكَ عَمَلاً تَأْخُذُهُ بِهِ ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَلاَّ يَتَوَاكَلُوا فِي خِدْمَتِكَ . وَأَكْرِمْ عَشِيرَتَكَ ، فَإِنَّهُمْ جَنَاحُكَ الَّذِي بِهِ تَطِيرُ ، وَأَصْلُكَ الَّذِي إِلَيْهِ تَصِيرُ ، وَيَدُكَ الَّتي بِهَا تَصُولُ . اسْتَوْدِعِ اللّهَ دِينَكَ وَدُنْيَاكَ ، وَاسْأَلْهُ خَيْرَ الْقَضَاءِ لَكَ فِي الْعَاجِلَةِ وَالآجِلَةِ ، وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَالسَّلاَمُ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
238

قدره ، ولم يتعدّ طوره » ، وقال : «مَن جهل قدره قتل نفسه» . وقال أبو الطيّب :

وَمَنْ جهلت نفسُه قدرَهُرأى غيرُه منه ما لا يَرَى
ومنها قوله : «أوثق سبب أخذتَ به سببٌ بينك وبين اللّه سبحانه» ، هذا من قول اللّه تعالى : «فَمَنْ يَكْفُرْ بالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ باللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا»۱ .
ومنها قوله : «فمن لم يبالك فهو عدوّك» ، أي لم يكترث بك ، وهذه الوصاة خاصّة بالحسن عليه السلام وأمثاله من الولاة وأرباب الرعايا ، وليست عامّة للسُّوقة من أفْناء الناس ، وذلك لأنّ الواليَ إذا أنس من بعض رعيّته أنه لا يباليه ولا يكترث به ، فقد أبدى صفحته ، ومن أبدى لك صَفحته فهو عدوّك ، وأمّا غير الوالي من أفناء الناس ، فليس أحدهم إذا لم يبال الآخر بعدوٍّ له.
ومنها قوله : «قد يكونُ اليأس إدراكا ، إذا كان الطمع هلاكا» ، هذا مثل قول القائل :

مَنْ عاشَ لاقَى ما يسوء من الأُمور وما يسُرّ
وَلَرُبَّ حتفٍ فَوْقَهُذهبٌ وياقوتٌ ودرّ
والمعنى : ربّما كان بلوغ الأمل في الدنيا والفوز بالمطلوب منها سببا للهلاك فيها ؛ وإذا كان كذلك ، كان الحرمان خيرا من الظفر .
ومنها قوله : «ليس كلّ عورة تظهر ، ولا كلّ فرصة تصاب» يقول : قد تكون عورة العدوّ مستترةً عنك فلا تظهر ، وقد تظهر لك ولا يمكنك إصابتها .
وقال بعض الحكماء : الفرصة نوعان : فرصة من عدوّك ، وفرصة في غير عدوّك ، فالفرصة من عدوّك ما إذا بلغتها نفعتك ، وإن فاتتك ضرّتك ، وفي غير عدوّك ما إذا أخطأك نفعه لم يصلْ إليك ضرّه .
ومنها قوله : «فربما أخطأ البصير قصدَه ، وأصاب الأعمى رشده» ، من هذا النحو قولهم في المثل : مع الخواطئ سهم صائب ، وقولهم : «رمية من غير رام » . وقالوا في مثل اللفظة الأُولى : الجواد يكبُو ، والحسام قد ينبو .
ومنها قوله : «أخّر الشرّ فإنك إذا شئت تعجّلتَه» ، مثل هذا قولهم في الأمثال الطفيليّة : «كلْ إذا وجدت ، فإنك على الجوع قادر» . ومن الأمثال الحِكَمية : ابدأ بالحسنة قبل السيئة ،

1.سورة البقرة ۲۵۶ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 218141
صفحه از 800
پرینت  ارسال به