253
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

39

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى عمرو بن العاصفَإِنَّكَ قَدْ جَعَلْتَ دِينَكَ تَبَعاً لِدُنْيَا امْرِئٍ ظَاهِرٍ غَيُّهُ ، مَهْتُوكٍ سِتْرُهُ ، يَشِينُ الْكَرِيمَ بِمَجْلِسِهِ ، وَيُسَفِّهُ الْحَلِيمَ بِخِلْطَتِهِ ، فَاتَّبَعْتَ أَثَرَهُ ، وَطَلَبْتَ فَضْلَهُ ؛ اتِّبَاعَ الْكَلْبِ لِلضِّرْغَامِ يَلُوذُ بِمَخَالِبِهِ ، وَيَنْتَظِرُ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْ فَضْلِ فَرِيسَتِهِ . فَأَذْهَبْتَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ ، وَلَوْ بِالْحَقِّ أَخَذْتَ أَدْرَكْتَ مَا طَلَبْتَ . فَإِنْ يُمَكِّنِ اللّهُ مِنْكَ وَمِنِ ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَجْزِكُمَا بِمَا قَدَّمْتُما ، وَإِنْ تُعْجِزَا وَتَبْقَيَا فَمَا أَمَامَكُمَا شَرٌّ لَكُمَا . وَالسَّلاَمُ .

الشّرْحُ:

كلّ ما قاله فيهما هو الحقّ الصريح بعينه ، لم يحملْه بغضُه لهما ، وغيظُه منهما ، إلى أن بالغ في ذمّها به ، كما يبالغ الفُصَحاء عند سَوْرة الغضب ، وتدفّق الألفاظ على الألسنة ، ولا ريبَ عند أحدٍ من العقلاء ذوِي الإنصاف أنّ عمْراً جعل دينَه تبعا لدنيا معاوية ، وأنّه ما بايعه وتابعه إلاّ على جَعالة جعلها له ، وضمانٍ تكفّل له بإيصاله ، وهيَ ولاية مصر مؤجّلة ، وقطعة وافرة من المال معجّلة ، ولولدَيه وغلمانِه ما ملأ أعينهم .
فأما قوله عليه السلام في معاوية : «ظاهرٌ غيُّه» ، فلا ريب في ظهور ضلاله وبغيِه ؛ وكلُّ باغٍ غاوٍ . أمّا مهتوك سِتْره ، فإنه كان كثير الهزل والخلاعة ، صاحب جُلَساء وسمّـار ، ومعاوية لم يتوقُر ، ولم يلزم قانون الرئاسة إلاّ منذ خرج على أمير المؤمنين ، واحتاج إلى الناموس والسكينة ، وإلاّ فقد كان في أيّام عثمانَ شديدَ التهتّك ، موسوما بكلّ قبيح ، وكان في أيّام عمَر يستر نفسَه قليلاً خوفا منه ، إلاّ أنه كان يلبس الحرير والدِّيباج ، ويَشرَب في آنية الذهب والفضّة ، ويركب البَغلات ذواتِ السّروج المحلاّة بها ، وعليها جِلال الدِّيباج والوَشْي ؛ وكان حينئذٍ شابّا ، وعنده نزَق الصِّبا ، وأثَر الشبيبة ، وسكْر السلطان والإمْرة ؛ ونقل الناسُ عنه في كتب السيرة أنّه كان يشرب الخمر في أيّام عثمان في الشام وأمّا بعد وفاةِ أمير المؤمنين واستقرار الأمر له فقد اختلف فيه ، فقيل : إنه شرب الخمر في ستر ، وقيل : إنه


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
252

الشّرْحُ:

هذا الفصل يُشكل عليّ تأويله ؛ لأنّ أهل مصرَ هم الّذين قتلوا عثمانَ ، وإذا شهد أميرُ المؤمنين عليه السلام أنهم غضبوا للّه حين عُصيَ في الأرض ، فهذه شهادة قاطعةٌ على عثمانَ بالعصيان ، وإتيان المنكَر .
ثم وصف الأشتر بما وصفه به ، ومِثلُ قولِه : «لا ينام أيّام الخوف» ، قولُهم : لا ينام ليلة يخاف ، ولا يَشبَع ليلة يُضاف . ثم أمرهم أن يطيعوه فيما يأمرهم به ممّا يطابق الحقّ ، وهذا من شدّة دينِه وصلابته عليه السلام ، لم يسامح نفسَه في حقّ أحبِّ الخلق إليه أن يهمل هذا القيْد ، قال رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : «لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق» .
قوله : «فإنه سيفٌ من سيوف اللّه » ، هذا لقبُ خالدِ بن الوليد ، لقّبه به أبو بكر ، لقتاله أهلَ الرّدة ، وقتلِه مُسيلِمة . والظُّبَة ، بالتخفيف : حدُّ السيف . والنابي من السيوف : الّذي لا يَقطع ؛ وأصلُه نبا ، أي ارتفع ؛ فلمّا لم يَقطَع كان مرتفعا ، فسمّيَ نابياً ؛ وفي الكلام حذفٌ تقديرُه : ولا نابي ضارب الضريبة ، وضارب الضريبة ، هو حدّ السيف ، فأمّا الضريبة نفسها فهو الشيء المضروبُ بالسيف ، وإنما دخلتْه الهاء وإن كان بمعنى « مَفْعول» ؛ لأنّه صار في عداد الأسماء ، كالنّطيحة والأكِيلة .
ثم أمرهم بأن يطيعوه في جميع ما يأمرهم به من الإقدام والإحجام ، وقال : إنه لا يقدّم ولا يؤخّر إلاّ عن أمري ، وهذا إن كان قاله مع أنه قد سَنَح له أن يعمل برأيه في أُمور الحرب من غير مراجعته فهو عظيم جدّا ؛ لأنّه يكون قد أقامه مقامَ نفسه . وجاز أن يقول : إنه لا يفعل شيئا إلاّ عن أمري ، وإن كان لا يُراجعُه في الجزئيّات على عادة العرب في مِثل ذلك ؛ لأنّهم يقولون فيمن يثقون به نحوَ ذلك . وإن كان عليه السلام قال هذا القول عن الأشتر ؛ لأنّه قد قرّر معه بينه وبينه ألاّ يعمل شيئا قليلاً ولا كثيرا إلاّ بعد مراجعتِه ، فيجوز ، ولكن هذا بعيد ؛ لأنّ المسافة طويلة بين العراق ومصر ، وكانت الأُمور هناك تقف وتفسد .
ثم ذكر أنّه آثرهم به على نفسه ، وعليّ عليه السلام كان يصول على الأعداء بالأشتر ، ويقوّي أنفسَ جيوشه بمقامه بينهم ، فلمّا بعثه إلى مصرَ كان مؤثرا لأهل مصرَ به على نفسه .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213023
صفحه از 800
پرینت  ارسال به