وَعُرِضَتْ عَلَيْكَ أَعْمَالُكَ بِالمحَلِّ الَّذِي يُنَادِي الظَّالِمُ فِيهِ بِالْحَسْرَةِ ، وَيَتَمَنَّى الْمُضَيِّعُ فِيهِ الرَّجْعَةَ ، وَلاَتَ حِينَ مَنَاص ۱ .
الشّرْحُ:
أشركتك في أمانتي : جعلتك شريكا فيما قمتُ فيه من الأمر ، وائتمنني اللّه عليه من سياسة الأُمّة ، وسمّى الخلافة أمانةً كما سمّى اللّه تعالى التكليف أمانةً في قوله : «إنّا عَرَضْنا الأَمَانَةَ»۲ . فأمّا قوله : وأداء الأمانة إليّ فأمرٌ آخر ، ومراده بالأمانة الثانية ما يتعارفه الناس من قولهم : فلان ذو أمانة ، أي لا يخون فيما أُسند إليه . وكلِب الزمان : اشتدّ ؛ وكذلك كلِب البردُ . وحَرِب العدوّ : استأسد . وخزيتْ أمانة الناس : ذلّت وهانت . وشَغَرت الأُمّة : خلت من الخير ، وشَغَر البلد : خلا من الناس . وقلبتُ له ظهر المجنّ : إذا كنت معه فصرت عليه ؛ وأصل ذلك أنّ الجيش إذا لقوا العدوّ وكانت ظهور مجانّهم إلى وجه العدوّ ، وبطون مجانّهم إلى وجه عسكرهم ، فإذا فارقوا رئيسهم وصاروا مع العدوّ كان وضع مجانّهم بدلاً من الوضع الذي كان من قبل ، وذلك أنّ ظهور التّرسة لا يمكن أن تكون إلاّ في وجوه الأعداء ؛ لأنها مَرمى سهامهم . وأمكنتك الشدة ، أي الحملة .
قوله : «أسرعت الكرّة» ، لا يجوز أن يقال : الكرّة إلاّ بعد فرّة ، فكأنه لما كان مقلعا في ابتداء الحال عن التعرّض لأموالهم ، كان كالفارّ عنها ، فلذلك قال : أسرعت الكرّة . والذئب الأزلّ : الخفيف الوَرِكين ، وذلك أشدّ لعدوه ، وأسرَع لوثبته ، وإن اتفق أن تكون شاةٌ من المِعزَى كسيرة ودامية أيضا ، كان الذئب على اختطافها أقدر . ونقاش الحساب : مناقشته . قوله : «فضحّ رويداً» ، كلمة تقال لمن يؤمر بالتؤدة والأناة والسكون ، وأصلها الرّجل يطعم إبله ضحى ، ويسيّرها مسرعا ليسير ، فلا يشبعها ، فيقال له : ضَحِّ رويدا .
وقد اختلف الناس في المكتوب إليه هذا الكتاب .
فقال الأكثرون : إنه عبد اللّه بنُ العباس رحمه الله ، وروَوْا في ذلك روايات ، واستدلُّوا عليه بألفاظ