27
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

سكنتْ وخمدتْ . وعاث : أفسد . وقوله : «جديد بلىً» ، من فنّ البديع ؛ لأنّ الجدّة ضدّ البلى . وسَمّجها : قبّح صورتها ، وقد سَمُج الشيء بالضمّ فهو سَمْج ، بالسكون ، مثل ضَخُم فهو ضخْم ، ويجوز فهو سَمِج ، بالكسر ، مثل خَشُن فهو خشِن .
قوله : «وسهّل طرق الآفة إليها» ؛ وذلك أنّه إذا استولى العنصر الترابيّ على الأعضاء ، قوى استعدادها للاستحالة من صورتها الأُولى إلى غيرها . ومستسلمات ، أي منقادة طائعة غير عاصية ، فليس لها أيدٍ تدفع عنها ، ولا لها قلوب تجزع وتحزن لما نزل بها . والأشجان : جمع شَجَن ، وهو الحزن . والأقْذاء : جمع قَذى ، وهو ما يسقط في العين فيؤذيها . قوله : «صفة حال لا تنتقل» ، أي لا تنتقل إلى حسن وصلاح ، وليس يريد : لا تنتقل مطلقاً ؛ لأنها تنتقل إلى فساد واضمحلال . ورجل عزيز ، أي حدث ، وعزيز الجسد ، أي طريّ ، وأنيق اللون : معجب اللون . وغَذِيّ تَرَف : قد غُذِي بالترف ، وهو التنعّم المطغِي . وربيبُ شَرَف ، أي قد ربِّيَ في الشرف والعزّ . ويقال : ربّ فلان ولدَه يَرُبّه ربّا ، وربّاه يربِّيه تربيةً . ويتعلّل بالسرور : يتلهّى به عن غيره . ويفزع إلى السّلْوة : يلتجيء إليها . وضِنّا ، أي بخلاً . وغضارة العيش : نعيمه ولينه . وشحاحة ، أي بخلاً ، شحِحْتُ بالكسر أشِحّ . وشحَحْت أيضا بالفتح ، أشُحّ وأشِحُّ ؛ بالضم والكسر ، شُحّا وشَحاحةً . ورجل شحيح وشَحَاح بالفتح . وقوم شِحاحٌ وأشِحّة . ويضحك إلى الدنيا وتضحكُ إليه ؛ كناية عن الفرَح بالعمر والعيشة ، وكذا كلّ واحدٍ منهما يضحك إلى صاحبه لشدّة الصفاء ، كأنّ الدّنيا تحبُّه وهو يحبُّها . وعيش غَفول : قد غفل عن صاحبه ، فهو مستغرق في العيش لم ينتبه له الدّهر ، فيكدّر عليه وقته ، قال الشاعر :

وكان المرءُ في غفلاتِ عيشٍكأنّ الدَّهْر عَنْها في وَثاق
قوله : «إذا وَطئَ الدهر به حَسَكه» ، أي إذا أوطأه الدهر حَسَكه ۱ . والهاء في « حَسَكه »
ترجع إلى الدّهر ، عدّى الفعل بحرف الجرّ ، كما تقول : قام زيد بعمرٍ و ، أي أقامه .
وقُواه : جمع قوّة ، وهي المِرّة من مرائر الحبل ؛ وهذا الكلام استعارة . ومن كَثَب : من قرب . والبثّ : الحزن . والبث أيضا : الأمر الباطن الدخيل . ونجيّ الهمّ : ما يناجيك ويسارّك . والفَتَرات : أوائل المرض . وآنس ما كان بصحّته ، منصوب على الحال ، العامل في الحال : «تولّدت» . والقارّ : البارد .

1.الحسك : نبات شائك تعلق قشرته بصوف الغنم ، والكلام على الاستعارة .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
26

لا يعرفون للنهار ليلاً ولا للّيل نهاراً ، وذلك لأنّ الواحد من البَشَر إذا مات نهاراً لم يعرف لذلك النهار ليلاً أبدا ، وإن مات ليلاً لم يعرف لذلك الليل صباحة أبداً . وقال الشاعر :

لابد من يومٍ بلا ليلةٍأو ليلةٍ تأتي بلا يومِ
وليس المراد بقوله : «أيّ الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمداً» ، أنهم وهم موتى يشعرون بالوقت الذي ماتُوا فيه ، ولا يشعرون بما يتعقّبه من الأوقات ، بل المراد أن صورةَ ذلك الوقت لو بقيتْ عندهمْ ؛ لبقيت أبدا من غير أن يزيلها وقتٌ آخر يطرأ عليها . ويجوز أن يفسّر على مذهب من قال ببقاء الأنفس ، فيقال : إنّ النفس التي تفارق ليلاً تبقى الصورة الليلية والظلمة حاصلة عندها أبداً لا تزول بطرآنِ نهار عليها ؛ لأنها قد فارقت الحواسّ فلا سبيل لها إلى أن يرتسم فيها شيء من المحسوسات بعد المفارقة ، وإنَّما حصل ماحصل من غير زيادة عليه ، وكذلك الأنفس التي تفارق نهاراً .
فإن قلت : ما معنى قوله عليه السلام «وبجانب الهجر»؟ وأي فائدة في لفظة «جانب » في هذا الموضع؟
قلت : لأنّهم يقولون : فلان في جانب الهجر ، وفي جانب القطيعة ، ولا يقولون : «في جانب الوصل» ، وفي «جانب المصافاة» ، وذلك أنّ لفظة «جنب» في الأصل موضوعة للمباعدة ، ومنه قولهم : «الجار الجُنب» ، وهو جارك من قوم غرباء . يقال : جنبت الرجل ، وأجنبته ، وتجنّبته ، وتجانبته ، كلّه بمعنىً ، ورجل أجنبيّ ، وأجنب ، وجُنب ، وجانب ، كلّه بمعنى .
قوله عليه السلام : «شاهدوا من أخطار دارهم» ، المعنى أنّه شاهد المتقون من آثار الرحمة وأماراتها ، وشاهد المجرمون من آثار النقمة وأماراتها عند الموت ، والحصول في القبر أعظم مما كانوا يسمعون ويظنّون أيّام كونهم في الدنيا . ثم قال : «فكلا الغايتين مدّت لهم» ، المعنى مدّت الغايتان : غاية الشقيّ منهم وغاية السعيد . إلى مباءة ، أي إلى منزل يعظم حاله
عن أن يبلغه خوف خائف ، أو رجاء راج ؛ وتلك المباءة هي النّار أو الجنة . وتقول : قد استباء الرجل أي اتّخذ مباءة ، وأبأت الإبل : رددتها إلى مباءتها ؛ وهي معاطنها . ثم قال : «فلو كانوا ينطقون بها لعيُّوا» بتشديد الياء . وروي «لَعَيُوا» بالتخفيف ، كما تقول : «حَيُوا» ، قالوا : ذهبت الياء الثانية لالتقاء الساكنين ؛ لأنّ الواو ساكنة ، وضمّت الياء الأُولى لأجل الواو ، قال الشاعر :
وَكُنَّا حَسِبْناهم فَوَارسَ كَهْمَسٍحَيُوا بعد ما ماتوا من الدهر أعصرا
قوله : «لقد رَجَعَتْ فيهم» يقال : رجع البصر نفسُه ، ورجع زيد بصره ؛ يتعدّى ولا يتعدى ، يقول : تكلّموا معنىً لا صورة ، فأدركت حالهم بالأبصار والأسماع العقلية لا الحسيّة . وكَلَحت الوجوه كلُوحاً وكُلاحاً ، وهو تكشّر في عُبوس . والنواضِر : النواعم ، والنّضرة : الحسن والرونق . وخوت الأجساد النواعم : خلت من دمِها ورطوبتها وحشوتها . ويجوز أن يكون خوتْ أي سقطت . قال تعالى : «فهيَ خَاويةٌ عَلَى عُروشها»۱ . والأهدام : جمع هِدْم ، وهو الثوب البالي . وتكاءدَنا : شقّ علينا ، ومنه : عقبة كؤود ويجوز تكادّنا ، جاءت هذه الكلمة في أخوات لها «تفعّل وتفاعَل» بمعنىً ، ومثله تعهّد الضيعة ، وتعاهدها . ويقال : قوله : « وتوارثْنا الوحشة» ، كأنّه لما مات الأب فاستوحش أهله منه ، ثم مات الابن فاستوحش منه أهله أيضا ، صارت كأنّ الابن ورث تلك الوحشة من أبيه كما تُورث الأموال ، وهذا من باب الاستعارة . قوله : «وتهدّمت علينا الربوع» ، يقال : تهدّم فلان على فلان غضباً ؛ إذا اشتدّ غضبه ، ويجوز أن يكون تهدمت أي تساقطت . وروي «وتهكمت» بالكاف ، وهو كقولك : « تهدمت» بالتفسيرين جميعاً ، ويعني بالرّبوع الصّمُوت القبور ، وجعلها صموتا ؛ لأنّه لا نطق فيها ، كما تقول : ليل قائم ونهار صائم ، أي يقام ويصام فيهما ، وهذا كلّه على طريق الهزّ والتحريك وإخراج الكلام في معرِض غير المعرِض المعهود ، جعلهم لو كانوا ناطقين مخبرين عن أنفسهم [ لأتَوْا ] بما وصفه من أحوالهم .
قوله عليه السلام : «فلو مثّلتَهم بعقلك ، أو كشف عنهم محجوبُ الغطاء لك» إلى آخر جواب « لو» . هذا الكلام أخذه ابن نباتة بعينه فقال : فلو كشفتم عنهم أغطيةَ الأجداث ، بعد ليلتين أو ثلاث ، لوجدتم الأحداق على الخدود سائلة ، والألوانَ من ضيق اللُّحود حائلة ، وهوامّ الأرض في نواعم الأبدان جائلة ، والرؤوس الموسّدة على الأيمان زائلة ، ينكِرُها مَنْ كان
لها عارفاً ، ويفرّ عنها مَنْ لم يزل لها آلفاً .
قوله عليه السلام : «ارتسخت أسماعهم» أنّه من رسخ الغدير إذا نشّ ماؤه ونضب ، ويقال : قد ارتسخت الأرض بالمطر إذا ابتلعته حتى يلتقي الثريان . واستكّت ، أي ضاقت وانسدّت . « واكتحلتْ أبصارهم بالتراب فخسفت» ، أي غارت وذهبت في الرأس . وذَلاقة الألسن : حدّتُها ، ذَلِق اللسان والسّنان يذلَق ذَلَقا ، أي ذرِبَ ؛ فهو ذلِق ، وأذلق . وهَمَدت ، بالفتح :

1.سورة الحج ۴۵ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213153
صفحه از 800
پرینت  ارسال به