265
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

بها في زمن معاوية .
قوله : «من فتية أهل البَصرة» ، أي من فتيانها ، أي من شبابها أو من أسخيائها ؛ يقال للسخيّ : هذا فتى ، والجمع فِتْية وفتيان وفُتُوّ ؛ ويروَى : «أنّ رجلاً من قُطّان البصرة» ، أي سكانها . والمأدُبة ، بضم الدال : الطعام ، يدعى إليها القوم ، وقد جاءت بفتح الدال أيضا ، ويقال : أدَب فلانٌ القومَ يأدِبهم بالكسر ، أي دعاهم إلى طعامه ، والآدِب : الدّاعي إليه .
ويروى : «وكثرت عليك الجفان فكَرعْتَ وأكلت أكل ذئب نَهِمْ ، أو ضبُع قِرَم» . وروي : «وما حَسِبتك تأكل طعامَ قوم» .
ثم ذمّ أهلَ البصرة فقال : «عائلهم مجفوّ ، وغنيّهم مدعوّ» ، والعائل : الفقير . ثم أمره بأن يترك ما فيه شبهة إلى ما لا شبهة فيه ، وسمّى ذلك قضماً ومقضما وإن كان مما لا يقضم لاحتقاره له ، وازدرائه إياه ، وأنه عنده ليس مما يستحقّ أن يسمّى بأسماء المرغوب فيه ، المتنافس عليه ، وذلك لأنّ القَضْم يطلق على معنيين : أحدُهما على أكل الشيء اليابس ، والثاني على ما يؤكل ببعض الفم ؛ وكلاهما يدلاّن على أن ذلك المقضم المرغوب عنه ، لا فيه .
ثم ذكر عليه السلام حالَ نفسه فقال : «إنّ إمامكم قد قنع من الدنيا بطِمْرَيه» ، والطِّمْر : الثوب الخلِق البالي ، وإنما جعلهما اثنين لأنّهما إزارٌ ورداء لابدّ منهما ، أي للجسد والرأس . «ومن طُعْمه بقُرْصَيه» ، أي قرصان يفطر عليهما لا ثالث لهما . وروي : «قد اكتفى من الدنيا بطمرَيه ، وسدّ فورةَ جوعه بقُرْصيه ، لا يطعم الفلْذةَ في حوليه إلاّ في يوم أضحية» . ثم قال : إنكم لن تقدروا على ما أقدر عليه ، ولكن أسألكم أن تعينوني بالوَرَع والاجتهاد .
ثم أقسم أنه ما كنز ذهبا ، ولا ادّخر مالاً ، ولا أعدَّ ثوبا بالياً سملاً لبالي ثوبيه ، فضلاً عن أن يعدّ ثوبا قشيبا كما يفعله الناس في إعداد ثوب جديد ليلبسوه عِوَض الأسمال التي ينزعونها ، ولا حاز من أرضها شبراً ، والضمير في «أرضها» يرجع إلى «دنياكم» ، ولا أخذ منها إلاّ كقوت أتانٍ دبرة ، وهي التي عقر ظهرُها فقلّ أكلها . ثم قال : «ولهي في عيني أهوَن من عَفْصة مَقِرة» ، أي مُرّة ، مقِر الشيءُ بالكسر أي صار مرّا ، وأمقَرَه بالهمز أيضا .

الأصْلُ:

۰.بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ ، فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ ، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قُوْمٍ آخَرِينَ ، وَنِعْمَ الْحَكَمُ اللّهُ . وَمَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ وَغَيْرِ فَدَكٍ ،


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
264

رسول اللّه : «الوَلَد للفراش ، وللعاهر الحَجَر» ؛ وقتلُه حُجْر بن عَدي ، فياويلَه من حُجْر وأصحابِ حُجْر!

45

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام
إلى عثمان بن حنيف الأنصاري ، وكان عامله على البصرة
وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها :
أَمَّا بَعْدُ ، يَابْنَ حُنَيْفٍ : فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، دَعَاكَ إلى مَأدُبـَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا ، تُسْتَطَابُ لَكَ الألوَانُ ، وَتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ . وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلى طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ ، وَغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ . فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضِمُهُ مِنْ هذَا الْمَقْضَمِ ، فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ ، وَمَا أَيْقَنَتَ بِطِيبِ وَجهِهِ فَنَلْ مِنْهُ .
أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ ، وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ ؛ أَلاَ وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ . أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذلِكَ ، وَلكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ ، وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ . فَوَاللّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً ، وَلاَ ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً ، وَلاَ أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً ، وَلاَ حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً ، وَلاَ أَخَذْتُ مِنْهُ إلاَّ كَقُوتِ أَتَانٍ دَبِرَةٍ ، وَلَهِيَ فِي عَيْنِي أَوْهَى وَأَهْوَنُ مِنْ عَفْصَةٍ مَقِرَةٍ .

الشّرْحُ:

هو عثمان بن حُنَيف الأنصاري ثم الأوسيّ أخو سهل بن حُنَيف، ولاّه عليّ عليه السلام على البصرة ، فأخرجه طلحة والزّبير منها حين قدِماها ، وسكن عثمان الكوفة بعد وَفاة عليّ عليه السلام ، ومات

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213214
صفحه از 800
پرینت  ارسال به