269
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

والبيت من أبيات منسوبة إلى حاتم بن عبد اللّه الطائيّ الجواد ۱ .

الأصْلُ:

۰.وَكَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ : إِذَا كَانَ هذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الَضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ ، وَمُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ . أَلاَ وَإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً ، وَالْرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً ، وَالنَّابِتَاتِ العِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً ، وَأَبْطَأُ خُمُوداً .
وَأَنَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ كَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ ، وَالذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ ؛ وَاللّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا ، وَلَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا ، وَسَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هذَا الشَّخْص الْمَعْكُوس ، وَالْجِسْمِ الْمَرْكُوس ، حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ .

الشّرْحُ:

الشّجرة البريّة : التي تنبت في البرّ الذي لا ماء فيه ، فهي أصلب عودا من الشجرة التي تنبت في الأرض النديّة ، وإليه وقعت الإشارة بقوله : «والرواتع الخضرة أرقّ جلودا» .
ثم قال : «والنابتات العِذْيَة» التي تنبت عِذْياً ، والعِذْي ، بسكون الذال : الزرع لا يسقيه إلاّ ماء المطر ، وهو يكون أقلّ أخذا من الماء من النبت سقيا ، قال عليه السلام : إنها تكون أقوى وقودا ممّا يشرب الماء السائح أو ماء الناضح ، وأبطأ خمودا ؛ وذلك لصلابة جِرْمها .
ثم قال : «وأنا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم كالضوء من الضوء ، والذراع من العضد » ؛ وذلك لأنّ الضوء الأول يكون علّة في الضوء الثاني ، ألا ترى أنّ الهواء المقابل للشمس يصير مضيئا من الشمس ! فهذا الضَّوْء هو الضوء الأول .
ثم إنه يقابل وجه الأرض فيضيء وجهُ الأرض منه ، فالضوء الذي على وجه الأرض هو الضوء الثاني ، وما دام الضوء الأول ضعيفا فالضوء الثاني ضعيف ؛ فإذا ازداد الجوّ إضاءة ازداد وجهُ الأرض إضاءة ؛ لأنّ المعلول يتْبع العلّة ، فشبّه عليه السلام نفسَه بالضوء الثاني ، وشبّه

1.ديوان الحماسة بشرح المرزوقي ۴ : ۱۶۶۸ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
268

وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوِ اليمَامَةِ مَنْ لاَ طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْص ، وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ ـ أَوْ أَبِيِتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى ، أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ :

وَحَسْبُكَ عَارا أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍوَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِـدِّ
أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ : هذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؛ وَلاَ أُشَارِكَهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْش ! فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكلُ الطَّيِّبَاتِ ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ ، هَمُّهَا عَلَفُهَا ، أَوِ الْمُرْسَلَةِ ، شُغْلُهَا تَقَمُّمُهَا ، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا ، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا ، أَوْ أُتْرَكَ سُدىً ، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً ، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ!

الشّرْحُ:

قد روي : «ولو شئت لاهتديت إلى هذا العسل المصفّى ، ولباب هذا البُرّ المنقّى ؛ فضربت هذا بذاك ؛ حتى ينضج وقودا ، ويستحكم معقودا» .
وروي : «ولعل بالمدينة يتيما تربا يتضوّر سغبا ، أأبيت مِبْطانا ، وحولي بطونٌ غَرْثى ، إذن يحضرني يوم القيامة ، وهم من ذكر وأُنثى» . وروي : «بطونُ غَرْثى» بإضافة «بطون» إلى «غرثى » . والقمح : الحنطة . والجشع : أشدّ الحرْص . والمبطان : الذي لا يزال عظيم البطن من كثرة الأكل . فأما المبطن : فالضامر البطن ؛ وأمّا البطين ، فالعظيم البَطن لا من الأكل ؛ وأمّا البِطن ، فهو الّذي لا يهمّه إلاّ بطنُه ؛ وأمّا المبطون فالعليل البَطْن . وبطون غرثى : جائعة . والبِطْنة : الكِظّة ؛ وذلك أن يمتلئ الإنسان من الطعام امتلاءً شديدا ، وكان يقال : ينبغي للإنسان أن يجعل وعاء بطنه أثلاثا : فثلثٌ للطعام ، وثلث للشراب ، وثلث للنَّفَس . والتقمّم : أكل الشاة ما بين يديْها بمقمّتها أي بشفتها ؛ وكلّ ذي ظِلْف كالثور وغيره فهو ذو مقمّة . وتكترش من أعلافها : تملأ كِرشها من العَلف .
قوله : «أو أجرّ حبلَ الضلالة» منصوب بالعطف على «يشغلني» ، وكذلك «أترك» ويقال : أجررتُه رَسَنَه ، إذا أهملته . والاعتساف : السلوك في غير طريق واضح . والمتاهة : الأرض يُتاه فيها ، أي يتحيّر .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213182
صفحه از 800
پرینت  ارسال به