271
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

قوله : «حتى تخرج المدرة من بين حبّ الحصيد» ، أي حتى يتطهّر الدين وأهله منه ؛ وذلك لأنّ الزُرّاع يجتهدون في إخراج المدَر والحجر والشوْك والعَوْسج ونحو ذلك من بين الزرع كي تفسد منابته . فيفسد الحبّ الذي يخرج منه ، فشبّه معاوية بالمدَر ونحوه من مُفْسِدات الحبّ ، وشبّه الدّين بالحَبّ الذي هو ثمرة الزرع .

الأصْلُ:

۰.ومن هذا الكتاب وهو آخره:إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا ، فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ ، قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ ، وَأَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ ، وَاجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ . أَيْنَ الْقُرُونُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بَمَدَاعِبِكَ ! أَيْنَ الْأُمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ ! ها هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ ، وَمَضَامِينُ اللُّحُودِ . وَاللّهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً ، وَقَالَباً حِسِّيّاً لَأَقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللّهِ فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِي ، وَأُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي ، وَمُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ ، وَأَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلاَءِ ، إِذْ لاَ وِرْدَ وَلاَ صَدَرَ!
هَيْهَاتَ ! مَنْ وَطِئَ دَحْضَكِ زَلِقَ ، وَمَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ ، وَمَنِ ازْوَرَّ عَنْ حَبَائِلِكِ وُفِّقَ ، وَالسَّالِمُ مِنْكِ لاَ يُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ ، وَالدُّنْيَا عنْدَهُ كَيَوْمٍ حَانَ انْسِلاَخُهُ ۱ .

الشّرْحُ:

إليك عنّي ، أي ابعدي . وحبلُك على غاربك ، كناية من كنايات الطلاق ، أي اذهبي حيث شئت ؛ لأنّ الناقة إذا أُلقي حبلها على غاربها فقد فُسح لها أن ترعى حيث شاءت ، وتذهب

1.إليك عني : اذهبي عني وابعدي . إنسل : انتزع الشيء وأخرجه برفق . الحبائل : جمع حبالة وهي شبكة الصيّاد . المداحض : المساقط والمزالق . المداعب : جمع مدعبة ، وهي المزاح . المهاوي : المهالك . وطأ الشيءَ : داسه . الدحض : المكان الذي لا تثبت عليه القدم فتزلّ . اللجج : معظم البحر وأعمق أماكنه . ازورّ : تنحّى ومال . المناخ : مبرك البعير . حان : اقترب . انسلاخه : انقضاؤه .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
270

رسولَ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم بالضوء الأول ، وشبّه منبع الأضواء والأنوار سبحانه وجلّت أسماؤه بالشمس الّتي توجب الضّوء الأوّل ثم الضوء الأول يوجب الضوء الثاني . وهاهنا نكتة ، وهي أنّ الضوء الثاني يكون أيضا علّة لضوءِ ثالث .
وأمّا قوله : «والذراع من العَضُد» ؛ فلأنّ الذراع فرع على العَضُد ، والعضُد أصل ، ألا ترى أنّه لا يمكن أن يكون ذراع إلاّ إذا كان عضد ، ويمكن أن يكون عضد لا ذراع له .
فشبّه عليه السلام نفسه بالنسبة إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمبالذّراع الذي العضد أصله وأُسّه ، والمراد من هذا التشبيه الإبانة عن شدّة الامتزاج والاتّحاد والقرب بينهما ؛ فإنّ الضوء الثاني شبيه بالضّوْء الأوّل ، والذراع متّصل بالعَضُد اتصالاً بيّنا ؛ وهذه المنزلة قد أعطاه إيّاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم في مقامات كثيرة نحو قوله في قصة براءة : « قد أُمِرت ألاّ يؤدى عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي» ، وقوله : «لتنتهُنّ يا بني وَلِيعة ، أو لأبعثنّ إليكم رجلاً منّي» ، أو قال : «عديل نفسي» ، وقد سمّـاه الكتاب العزيز «نفسَه» فقال : «وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ»۱ ، وقد قال له : «لحمك مختلط بلحمي ، ودمك مسُوط بدمي ، وشبرك وشبري واحد» .
فإن قلت أمّا قوله : «لو تظاهرت العرب عليّ لما وليت عنها» فمعلوم ، فما الفائدة في قوله : «ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها» ؟ وهل هذا مما يفخر به الرؤساء ويعدّونه منقبة ؛ وإنما المنقبة أن لو أمكنته الفرصة تجاوز وعفا!
قلت : غرضه أن يقرّر في نفوس أصحابه وغيرهم من العرب أنه يحارب على حقّ ، وأنّ حربه لأهل الشام كالجهاد أيام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وأنّ من يجاهد الكفّار يجب عليه أن يُغْلِظ عليهم ، ويستأصل شأفتَهم .
قوله : «وسأجهد في أن أطهّر الأرض» ، الإشارة في هذا إلى معاوية ، سمّـاه شخصا معكوسا ، وجسما مركوسا ، والمراد انعكاس عقيدته ، وأنها ليست عقيدة هدىً ، بل هي معاكسة للحقّ والصواب ، وسمّـاه مركوسا من قولهم : ارتكسَ في الضلال ، والرّكس ردّ الشيء مقلوبا ، قال تعالى : «واللّهُ أرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا»۲ ، أي قلبهم وردّهم إلى كفرهم ، فلما كان تاركا للفطرة التي كلُّ مولود يُولد عليها ، كان مرتكسا في ضلاله . ولما كان معاوية عنده عليه السلام من أهل الشّقاوة ، سمّـاه معكوسا ومركوسا .

1.سورة آل عمران ۶۱ .

2.سورة النساء ۸۸ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213169
صفحه از 800
پرینت  ارسال به