273
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

رَبِّهِم شِفَاهُهُمْ ، وَتَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِم ذُنُوبُهُمْ ، «أُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» .
فَاتَّقِ اللّهَ يَا بْنَ حُنَيْفٍ ، وَلْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ ؛ لِيَكُونَ مِنْ النَّارِ خَلاَصُكَ .

الشّرْحُ:

أعزبي : ابعدي ، يقال عَزَب الرجل بالفتح ، أي بَعُد . ولا أسلَس لك بفتح اللام ، أي لا أنقاد لك ، سلِس الرجل بالكسر يسلَس فهو بيّن السّلس ، أي سهل قياده .
ثم حلف ، واستثنى بالمشيئة أدباً كما أدّب اللّه تعالى رسوله صلى الله عليه و آله وسلم ليروضنّ نفسه ، أي يدرّ بها بالجوع ، والجوع هو أصل الرياضة عند الحكماء وأرباب الطريقة .
قال : «حتى أهشّ إلى القُرْص» ، أي إلى الرغيف وأقنع من الإدام بالملح . ونضب معينها : فنى ماؤها . ثم أنكر على نفسه فقال : أتشبع السائمة من رِعْيها ـ بكسر الراء ، وهو الكلأ ـ والربيضة ـ جماعة من الغنم أو البقر تربض في أماكنها ـ وأنا أيضا مثلها أشبع وأنام ! لقد قرت عيني إذا حيث أُشابه البهائم بعد الجهاد والسبق والعبادة والعلم والجدّ في السنين المتطاولة .
قوله : «وعركت بجنبها بؤسها» ، أي صبرت على بؤسها ، والمشقّة التي تنالها ، يقال : قد عرك فلان بجنبه الأذى أي أغضى عنه ، وصبر عليه . «افترشت أرضها» ، أي لم يكن لها فراش إلاّ الأرض . «وتوسّدت كفّها» ، لم يكن لها وسادة إلاّ الكفّ . «وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم» لفظ الكتاب العزيز : «تَتَجَافى جُنُوبُهمْ عن المضاجع»۱ . وهمهمت : تكلّمت كلاما خفياً . وتقشعت ذنوبهم : زالت وذهبت كما يتقشع السحاب .
قوله : «ولتكفف أقراصك» ، إنما هو نهيٌ لابن حُنيف أن يكفّ عن الأقراص ، وإن كان اللفظ يقتضي أن تكفّ الأقراص عن ابن حُنيف . وقد رواها قوم بالنصب ، قالوا : «فاتق اللّه يابنَ حنيف ولتكفف أقراصَك ، لترجو بها من النار خلاصك» ، والتاء هاهنا للأمر عوض الياء ، وهي لغة لا بأس بها ، وقد قيل : إن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قرأ : «فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحوا»۲ ، بالتاء .

1.سورة السجدة ۱۶ .

2.سورة يونس ۵۸ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
272

أين شاءت ؛ لأنّه إنما يردّها زمامها ، فإذا أُلقي حبلها على غاربها فقد أُهملت . والغارب : ما بين السَّنَام والعُنق . والمداحض : المزالق . وقيل : إنّ في النسخة التي بخط الرضيّ رضى الله عنه«غررتيهم» بالياء ، وكذلك « فتنتيهم» ، و «ألقيتيهم» ، و «أسلمتيهم» ، و « أوردتيهم» ، والأحسن حذف الياء ، وإذا كانت الرواية وردت بها فهي من إشباع الكسرة . ومضامين اللحود ، أي الذين تضمنتهم ، وفي الحديث نهى عن بيع المضامين والملاقيح ، وهي ما في أصلاب الفحول وبطون الإناث .
ثم قال : لو كنتِ أيتها الدنيا إنسانا محسوسا ، كالواحد من البَشَر ؛ لأقمتُ عليك الحدّ كما فعلتِ بالناس . ثم شرح أفعالها فقال : منهم مَنْ غررتِ ، ومنهم من ألقيتِ في مهاوي الضلال والكفر ، ومنهم من أتلفتِ وأهلكتِ .
ثم قال : ومن وطئ دَحْضك زلق ، مكان دَحْض أي مزلّة . ثم قال : لا يبالي مَنْ سلم منك إن ضاق مناخه ، لا يبالي بالفقر ، ولا بالمرض ولا بالحبوس والسجون وغير ذلك من أنواع المحن ! لأنّ هذا كله حقير لا اعتداد به في جَنْب السلامة من فتنة الدنيا . قال : والدّنيا عند من قد سَلِم منها كيوم قرب انقضاؤه وفناؤه .

الأصْلُ:

۰.اُعْزُبِي عَنِّي ! فَوَاللّهِ لاَ أُذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي ، وَلاَ أَسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِينِي . وَايْمُ اللّهِ - يَمِيناً أَسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللّهِ - لَأَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهُشُّ مَعَهَا إِلَى الْقُرْص إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ مَطْعُوماً ، وَتَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً ؛ وَلَأَدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِينُهَا ، مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعُهَا . أَتَمْتَلِئُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ ؟ وَتَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ ؟ وَيَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ ! قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ ، وَالسَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ !
طُوبَى لِنَفْس أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا ، وَعَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا ، وَهَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا ، حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْكَرَى عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا ، وَتَوَسَّدَتْ كَفَّهَا . فِي مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ ، وَتَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ ، وَهَمْهَمَتْ بِذِكْرِ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213124
صفحه از 800
پرینت  ارسال به