301
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

من إعواز أهلها ، أي من فقرهم . قال : والموجب لإعوازهم طمعُ ولاتهم في الجباية وجمع الأموال لأنفُسهم ولسلطانهم . وسوء ظنّهم بالبقاء : يحتمل أن يريد به أنهم يظنّون طول البقاء وينسَوْن الموتَ والزوال . ويحتمل أن يريد به أنهم يتخيّلون العَزْل والصرف ، فينتهزون الفرص ، ويقتطعون الأموال ، ولا ينظرون في عِمارة البلاد .

الأصْلُ:

۰.ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ ، فَوَلِّ عَلَى اُمُورِكَ خَيْرَهُمْ ، وَاخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَايِدَكَ وَأَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُودِ صَالِحِ الْأَخْلاَقِ مِمَّنْ لاَ تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ ، فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلاَفٍ لَكَ بِحَضْرَةِ مَلَأٍ . وَلاَ تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمَّالِكَ عَلَيْكَ ، وَإِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْكَ ، فِيَما يَأْخُذُ لَكَ وَيُعْطِي مِنْكَ ، وَلاَ يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ ، وَلاَ يَعْجِزُ عَنْ إِطْـلاَقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ ، وَلاَ يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفسِهِ فِي الْأُمُورِ ، فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بَقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ .
ثُمَّ لاَ يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَاسْتِنَامَتِكَ وَحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ ، فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلاَةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَحُسْنِ حديثهم، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَالْأَمَانَةِ شَيْءٌ؛ وَلكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ، فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً ، وَأَعْرَفِهِمْ بِالْأَمَانَةِ وَجْهاً ، فَإِنَّ ذلِكَ دَلَيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ للّهِ ، وَلِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ . وَاجْعَلْ لِرَأس كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ ؛ لاَ يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا ، وَلاَ يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا ، وَمَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْه أُلْزِمْتَهُ .

الشّرْحُ:

لما فرغ من أمر الخراج ، شَرَع في أمر الكتّاب الذين يلُون أمر الحضرة ، ويترسّلون عنه إلى عمَّاله وأُمرائه ، وإليهم مَعاقد التدبير وأمرُ الديوان ، فأمَرَه أن يتخيّر الصالح منهم ، ومَنْ يوثق


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
300

وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْض مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا ، وَإِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لاِءِشْرَافِ أَنْفُس الْوُلاَةِ عَلَى الْجَمْعِ ، وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ ، وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ .

الشّرْحُ:

انتقل عليه السلام من ذكر العمّال إلى ذكر أرباب الخراج ودَهَاقين السّواد ، فقال : تفقّد أمرَهم ، فإنّ النّاس عيال عليهم ؛ وكان يقال : استوصُوا بأهل الخراج ؛ فإنّكم لا تزالون سمانا ما سَمِنُوا .
وروي : «استحلاب الخراج» بالحاء . ثم قال : «فإن شكَوْا ثِقْلاً» ، أي ثقل طَسْق ۱ الخراج المضروب عليهم ، أو ثقل وطأة العامل . «أو علّة» ، نحو أن يصيب الغلّةَ آفة كالجراد والبرق أو البرد . «أو انقطاع شرْب ۲ » بأن يَنقُص الماء في النهر ، أو تتعلق أرض الشّرب عنه لفقد الحَفْر . «أو بالّة» ، يعني المطر . «أو إحالة أرض اغتمرها غرق» ، يعني أو كوْن الأرض قد حالت ، ولم يحصل منها ارتفاع ؛ لأنّ الغرق غمرها وأفسد زَرْعها . «أو أجْحف بها عطش » ، أي أتلفها .
فإن قلت : فهذا هو انقطاع الشّرب؟
قلت : لا ، قد يكون الشِّرب غير منقطع ، ومع ذلك يُجحِف بها العطش ، بأن لا يكفيها الماء الموجود في الشِّرب .
ثم أمره أن يخفّف عنهم مَتَى لحقهم شيء من ذلك ؛ فإنّ التخفيف يُصْلح أُمورهم ، وهو وإن كان يُدْخِل على المال نقصا في العاجل إلاّ أنه يقتضي توفير زيادة في الآجل ؛ فهو بمنزلة التجارة التي لا بُدّ فيها من إخراج رأس المال وانتظار عوده وعود ربحه .
قال : ومع ذلك فإنه يفضي إلى تزيين بلادك بعمارتها ، وإلى أنّكَ تَبْجح بين الولاة بإفاضة العدل في رعيّتك معتمدا فَضْلَ قُوّتهم . و «معتمدا» ، منصوب على الحال من الضّمير في «خَفّفت» الأُولى ، أي خَفّفت عنهم معتمدا بالتخفيف فضل قوّتهم . والإجمام : الترفيه .
ثم قال له : وربما احتجتَ فيما بعد إلى تكلفهم بحادث يحدُث عندك المساعدة بمالٍ يقسطونه عليهم قرضا لك أو معونة محضة ؛ فإذا كانتْ لهم ثروة نهضوا بمثل ذلك ، طيّبة قلوبُهم به . فإن العمران محتمل ما حمّلته . ثم قال عليه السلام : «إنما تُؤتَى الأرض» ، أي إنما تُدْهَى

1.في اللسان عن التهذيب : الطسق شبه الخراج له مقدار معلوم ؛ وليس بعربي خالص .

2.الشِّرْب بالكسر : النصيب من الماء .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 249982
صفحه از 800
پرینت  ارسال به