من إعواز أهلها ، أي من فقرهم . قال : والموجب لإعوازهم طمعُ ولاتهم في الجباية وجمع الأموال لأنفُسهم ولسلطانهم . وسوء ظنّهم بالبقاء : يحتمل أن يريد به أنهم يظنّون طول البقاء وينسَوْن الموتَ والزوال . ويحتمل أن يريد به أنهم يتخيّلون العَزْل والصرف ، فينتهزون الفرص ، ويقتطعون الأموال ، ولا ينظرون في عِمارة البلاد .
الأصْلُ:
۰.ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ ، فَوَلِّ عَلَى اُمُورِكَ خَيْرَهُمْ ، وَاخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَايِدَكَ وَأَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُودِ صَالِحِ الْأَخْلاَقِ مِمَّنْ لاَ تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ ، فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلاَفٍ لَكَ بِحَضْرَةِ مَلَأٍ . وَلاَ تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمَّالِكَ عَلَيْكَ ، وَإِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْكَ ، فِيَما يَأْخُذُ لَكَ وَيُعْطِي مِنْكَ ، وَلاَ يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ ، وَلاَ يَعْجِزُ عَنْ إِطْـلاَقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ ، وَلاَ يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفسِهِ فِي الْأُمُورِ ، فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بَقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ .
ثُمَّ لاَ يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَاسْتِنَامَتِكَ وَحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ ، فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلاَةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَحُسْنِ حديثهم، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَالْأَمَانَةِ شَيْءٌ؛ وَلكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ، فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً ، وَأَعْرَفِهِمْ بِالْأَمَانَةِ وَجْهاً ، فَإِنَّ ذلِكَ دَلَيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ للّهِ ، وَلِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ . وَاجْعَلْ لِرَأس كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ ؛ لاَ يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا ، وَلاَ يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا ، وَمَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْه أُلْزِمْتَهُ .
الشّرْحُ:
لما فرغ من أمر الخراج ، شَرَع في أمر الكتّاب الذين يلُون أمر الحضرة ، ويترسّلون عنه إلى عمَّاله وأُمرائه ، وإليهم مَعاقد التدبير وأمرُ الديوان ، فأمَرَه أن يتخيّر الصالح منهم ، ومَنْ يوثق